يُعدّ مخيم “الحكومية”، الواقع شمال مدينة الرقة، من أكبر المخيمات العشوائية في المنطقة، بتعداد سكاني يزيد عن 400 خيمة، ويقيم فيه معظم نازحي ريف دير الزور الشرقي، الذين نزحوا إلى مدينة الرقة بعد سيطرة الميليشيات الإيرانية على قراهم في أيام حكم الأسد.
ويقع مخيم “الحكومية” على بعد قرابة 20 كيلومترًا شمال مدينة الرقة، ويعمل معظم قاطنيه في الزراعة وأعمال المياومة في القرى القريبة من المخيم، كما يعمل البعض منهم في تربية الأغنام.
وعلى الرغم من معاناة سكان هذا المخيم، كما هو حال معظم المخيمات العشوائية في مدينة الرقة، من إهمال كبير من الناحية الخدمية والإغاثية من قبل “الإدارة الذاتية”، وعدم استهدافه بشكل منتظم من قبل المنظمات، فإن معظم سكان المخيم يرفضون مغادرته والعودة إلى قراهم.
وأشار علي العلي (45 عامًا) من أهالي بلدة الميادين شرقي دير الزور، إلى أن امتناعه عن العودة يعود إلى ارتباطه بعمل زراعي في إحدى القرى القريبة من المخيم، بالإضافة إلى عدم امتلاكه عملاً يعيل به أسرته في حال عاد إلى منطقته: “لا أملك أي مهنة ثابتة أعيل بها أسرتي، فحياتي مرتبطة بأعمال المياومة، لذلك بقائي هنا، وعملي، وعائلتي في الحقول الزراعية، يؤمنون لي قوتي اليومي إلى حين استقرار منطقتنا لاحقًا”.
أما عدنان الشعيطي فقد منعه دمار منزله ونهب ممتلكاته في بلدة البوكمال من العودة، وقال: “كان لدي دكان صغير لبيع قطع الدراجات النارية، وقد تمّت سرقته بالكامل، كما أن منزلي دُمّر بشكل كلي، لذلك لن أغادر المخيم إلى حين استقرار المنطقة وتأمين عمل جديد أزاوله هناك”.
أما عبد الرحمن الجاسم (54 عامًا) من بلدة التبني في ريف دير الزور الغربي، فقد استأجر أرضًا زراعية في منطقة “الحكومية”، وزرعها بالخضار الصيفية، وقد وجد في هذا العمل مصدر دخل جيد، مما يجعل من فكرة العودة أمرًا مستبعدًا في الوقت الراهن:
“لقد تعلمت في هذه المنطقة زراعة الخضار، وأصبحت أُتقنها بشكل جيد، وهي تعود عليّ بمردود جيد، لذلك لا أفكر بالعودة في الوقت القريب”، وتختلف دوافع الامتناع عن العودة لدى سكان المخيم الذين تأقلموا مع الواقع الجديد الذي فُرض عليهم.
وفي ظل الظروف المعيشية الصعبة التي يواجهها نازحو مخيم “الحكومية”، ومع استمرار غياب الدعم والخدمات الأساسية، يناشد سكان المخيم الحكومة السورية والجهات المعنية بالنظر الجاد في أوضاعهم، وتقديم حلول حقيقية تضمن لهم العودة الآمنة والكريمة إلى قراهم.
ويؤكد الأهالي أن العودة لن تكون ممكنة ما لم يتم تأمين الاستقرار الأمني، وإعادة تأهيل البنى التحتية، وتوفير فرص العمل في مناطقهم الأصلية، مشددين على أن بقاءهم في المخيم ليس خيارًا، بل واقع فرضته الظروف القاسية وانعدام البدائل.