نازحو الساحل: بين حنين العودة… وحقول الموت المؤجلة

Facebook
WhatsApp
Telegram

SY24 -خاص

كان حسن يعتقد أن العودة إلى قريته “عرافيت” ستكون نهاية رحلة النزوح الطويلة، لكنه حينما وصل إليها لم يجد سوى جدران منهارة، شجرًا يابسًا، وصمتًا لا يُكسره سوى صدى خطواته بين أنقاض منزله المدمر.

رغم سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، ما تزال العودة إلى قرى شمال الساحل السوري، وتحديدًا جبلي الأكراد والتركمان، تواجه معوقات كبيرة، من أبرزها الدمار الشامل وغياب الخدمات، وخطر الأرض المميتة المتمثل في الألغام غير المنفجرة التي تنتشر في مساحات واسعة من الطرق والمناطق الزراعية.

“كل شيء مدمّر… لا نملك حتى المياه”

في مخيم خربة الجوز عند الحدود السورية التركية، حيث يعيش حسن اليوم، توقفت المساعدات الإنسانية، وتم قطع المياه وخدمات النظافة.

يقول لمنصة “سوريا 24“: “نشتري المياه وندفع لجمع القمامة. نعيش حياة صعبة للغاية بعد توقف المساعدات، ولم نعد نسمع سوى الوعود… وندفع 50 دولارًا شهريًا مقابل مياه الشرب وإزالة القمامة”.

تشير الإحصائيات إلى أن أكثر من 200 ألف مدني من سكان جبلي الأكراد والتركمان هجّروا قسرًا نهاية عام 2015 بعد حملة عسكرية عنيفة، واليوم ما يزال نحو 70 ألف نازح يعيشون في مخيمات عشوائية على الحدود، في ظروف إنسانية متدهورة.

“عدنا إلى الخراب… ولسنا مستعدين للعيش بلا ماء أو تعليم”

من جانبه، يقول مصطفى الحاج بكري، عضو مجلس بلدي سابق وناشط مجتمعي في قرى أكراد، في حديثه لـ”سوريا 24“: إنّ “بعض العائلات عادت إلى منازلها رغم دمارها الكبير. كثيرون يقولون إن البيت المنهار أهون من حياة الخيام… لكن من لديهم أطفال لا يمكنهم العودة. لا مدارس، لا ماء، ولا كهرباء”.

ويضيف: “مدير منطقة الحفة اجتمع بوجهاء من جبل الأكراد، وأكد أن هناك ملفًا جاهزًا لمشاريع التعليم والمياه، سيُنفذ عبر منظمات إنسانية. لكننا لم نرَ شيئًا حتى الآن”. ويعتقد الحاج بكري أن بدء أي إصلاح حقيقي في المنطقة يتطلب قرارًا سياسيًا واضحًا برفع العقوبات الدولية عن سوريا.

الألغام… الموت المؤجل

أما عبد الكافي كيال، مدير الدفاع المدني في محافظة اللاذقية، فيوضح لـ”سوريا 24“: “المشكلة الأكبر في عودة الأهالي ليست فقط دمار المنازل، بل تلوّث الأرض. مناطق كاملة مزروعة بمخلفات الحرب. فرق الدفاع المدني تعمل على إزالة المقذوفات غير المنفجرة، لكن الألغام من اختصاص فرق الهندسة العسكرية، وهذه عملية طويلة وتحتاج إلى معدات خاصة”.

ويضيف كيال: “من أبرز المناطق الملوثة: كبانة، عين الغزال، كنسبا، أرض الوطى، الحمرات، عكو، كلس، اليمضية، قرملي، والبيضا”. ويؤكد غياب الإحصائيات الدقيقة حول حجم التلوث، إلا أن الإصابات تكاد تكون يومية.

وبحسب الدفاع المدني السوري، فقد قُتل 80 مدنيًا، بينهم 18 طفلًا و4 نساء، وأصيب 116 آخرون، بينهم 43 طفلًا، جراء انفجار ألغام ومخلفات حرب، وذلك في الفترة ما بين 27 نوفمبر 2024 و14 مارس 2025.

“البيت ممكن نعيده… بس الحياة أصعب”

قرى الشمال الساحلي لم تفقد فقط منازلها، بل مصادر رزقها. آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية تُركت دون رعاية، وتعرضت للتحطيب الجائر والحرائق.

أشجار التفاح والإجاص والبرتقال التي كانت مصدر حياة، قُطعت من جذورها، كما يؤكد سكان محليون، في مشهد يختصر القسوة التي طالت الإنسان والأرض معًا.

ورغم غياب أي خطة ملموسة لإعادة الإعمار، بدأت بعض العائلات الميسورة بترميم منازلها على نفقتها الخاصة. لكن الأغلبية الساحقة، التي تعتمد على المساعدات، لا تملك ما يكفي للعودة أو حتى للبقاء الكريم في المخيمات.

“نريد فقط أن لا نُقتل مرتين”

العودة اليوم ما زالت فكرة مؤجلة، معلّقة بين حقول الألغام ووعود إعادة الإعمار. وحتى إشعار آخر، يظل كثير من نازحي الساحل الشمالي يتمسكون بما تبقّى من ذاكرة المكان، ومن أشجار حاكورة صغيرة، حلموا أن تعود إليهم ذات يوم، بلا قيد، ولا قصف، ولا لغم، ولسان حال حسن وغيره من النازحين يقول: “لا نريد الكثير من الخدمات… فقط نريد منزلنا، وبعض ما زرعناه بيدنا من تفاح وبرتقال. نريد أن نعود إلى بيوتنا دون أن نموت فيها”.

مقالات ذات صلة