تباينت الآراء حول مخرجات مؤتمر “وحدة الموقف والصف الكردي في سوريا” الذي اختتم أعماله، اليوم السبت، في القامشلي، بين من اعتبر أن الرؤية السياسية التي أفرزها المؤتمر تبدو صعبة التطبيق بسبب ممانعة القوى الدولية والإقليمية وضعف الدعم لتغييرات دستورية عميقة، وبين من أكد على أهمية استئناف الحوار الكردي الكردي تحت ضغط أمريكي وأوروبي وبتشجيع من إقليم كردستان.
واختتم اليوم المؤتمر الذي شارك فيه أكثر من 400 شخصية تمثل الأحزاب الكردية السورية، بالإضافة إلى شخصيات سياسية ودينية وثقافية بارزة.
وأثمر المؤتمر عن بيان ختامي يتضمن رؤية سياسية موحدة للأحزاب الكردية حول كيفية المشاركة في مستقبل سوريا، مع التركيز على حل عادل للقضية الكردية.
رؤية مشتركة لسوريا ديمقراطية ولا مركزية
وهدف المؤتمر الحوار الكردي إلى بناء سوريا ديمقراطية متعددة القوميات والثقافات، تضمن حقوق جميع مكوناتها عبر دستور عادل يستند إلى المبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان. يتمحور النظام السياسي حول اللامركزية الإدارية مع التزام الدولة بالمواثيق الدولية، حيادها تجاه الأديان، وضمان المساواة بين كافة المواطنين بغض النظر عن الجنس أو العرق أو الدين.
كما تشمل الرؤية إعادة النظر في التقسيمات الإدارية، استرجاع الآثار المنهوبة، وإلغاء التغيير الديمغرافي لتأمين عودة النازحين واللاجئين، مع ضمان تمثيل المرأة والشباب وحماية حقوق الطفل.
وعلى الصعيد القومي، شدد المؤتمر على ضرورة الإقرار بالوجود الكردي كمكون أصيل في سوريا وضمان حقوقه الدستورية، بما في ذلك الاعتراف باللغة الكردية كلغة رسمية وتوحيد المناطق الكردية ضمن إطار سوريا الاتحادية.
وتشمل المطالب إلغاء سياسات التعريب، إعادة الجنسية للمواطنين المجردين منها، وتعويض المتضررين من السياسات التمييزية السابقة.
ودعا المؤتمر إلى تطوير البنية التحتية للمناطق الكردية وتمثيل الكرد في مؤسسات الدولة، مع اعتبار النيروز (21 آذار) عيداً وطنياً واستذكار انتفاضة القامشلي رمزاً لنضال الشعب الكردي.
الحوار الكردي- الكردي بين الماضي والحاضر
وقال عبد الله كدو، الممثل السابق للمجلس الوطني الكردي في الائتلاف السوري في حديث لمنصة سوريا ٢٤، إن الحوار الكردي الكردي بدأ منذ عام 2012، حيث توصل المجلس الوطني الكردي (ENKS) وحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) إلى اتفاقات عدة في هولير ودهوك برعاية مسعود برزاني. ومع ذلك، لم تُنفذ تلك الاتفاقات بسبب الخلافات المستمرة.
وأضاف كدو أن استئناف الحوار مؤخرًا جاء تحت ضغط أمريكي وأوروبي، وبتشجيع من إقليم كردستان، بهدف تحقيق وحدة الموقف الكردي حول قضايا أساسية مثل الاعتراف الدستوري بالهوية القومية الكردية وحقوق الشعب الكردي ضمن سوريا الديمقراطية والتعددية.
وأوضح أن هذه الجهود تهدف إلى تشكيل وفد كردي موحد لطرح هذه القضايا ومناقشتها مع الحكومة السورية.
تحديات تطبيق الرؤية السياسية
رغم التوافق الكبير بين الأطراف المشاركة، إلا أن مدير قسم تحليل السياسات في مركز حرمون للدراسات، سمير العبد الله، رأى أن المطالب الواردة في البيان الختامي قد تواجه تحديات كبيرة في التطبيق.
وأشار العبد الله في حديث لمنصة سوريا ٢٤، إلى أن الموافقة على هذه الرؤية تبدو مستحيلة من قبل أي سلطة قائمة أو حتى من قبل المكونات السورية الأخرى.
وأوضح أن الدعوة لإعادة التدخل الدولي عبر تشكيل جمعية تأسيسية برعاية دولية، وتوحيد المناطق الكردية كوحدة سياسية إدارية، قد يثير تساؤلات حول تعريف “المناطق الكردية” ويفتح المجال أمام مطالبات مشابهة من بقية المكونات.
كما لفت إلى أن اقتراح اعتماد اللغة الكردية كلغة رسمية في المناطق الكردية قد يؤدي إلى تصعيد مطالبات مماثلة من مكونات أخرى، مما يهدد الانسجام الوطني.
أما الدعوة إلى إقامة نظام حكم برلماني، فهي تصطدم بواقع سياسي هش نتيجة غياب الأحزاب وضعف القوى السياسية، مع تجارب فاشلة مجاورة في العراق ولبنان، حسب العبد الله.
ختام المؤتمر وأهميته
ويُعتبر هذا المؤتمر خطوة بارزة نحو تعزيز الحوار والتفاهم بين مكونات الشعب الكردي في سوريا، رغم التحديات الكبيرة التي قد تواجه تطبيق مخرجاته.
ومن خلال السعي لتشكيل وفد موحد، يأمل المشاركون في أن تسهم هذه الجهود في إيصال صوت واضح وموحد إلى أي مفاوضات مستقبلية مع الحكومة السورية أو على المستوى الدولي، بما يخدم المصلحة العامة ويحقق التطلعات المشروعة لجميع الأطراف المعنية.
تعثر المفاوضات الكردية رغم الجهود الأمريكية
يذكر أن المفاوضات بين الأطراف الكردية انطلقت في بداية شهر نيسان/أبريل 2020، بدعم ورعاية من وزارة الخارجية الأمريكية.
وشهدت هذه المفاوضات عقد العشرات من الاجتماعات التي جمعت الأطراف الكردية المختلفة في قاعدة “استراحة الوزير” العسكرية المشتركة، والتي تضم القوات الأمريكية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، الواقعة في ريف الحسكة.
وعلى مدى جولتين من الحوار، تمكنت الأطراف المشاركة من التوصل إلى اتفاق حول “الوثيقة السياسية”، كما اتفقوا على إنشاء “مرجعية” مشتركة تهدف إلى توحيد الرؤى السياسية والخطاب العام، بالإضافة إلى ضمان مشاركة المجلس الوطني الكردي في إدارة المنطقة.
ومع ذلك، تعثر استئناف المرحلة الثالثة من المفاوضات منذ تشرين الأول/أكتوبر 2020، على الرغم من الجهود المستمرة التي بذلتها الخارجية الأمريكية عبر ممثليها للضغط على طرفي المفاوضات لاستئناف الحوار.