جاء شهر رمضان على سكان الغوطة الشرقية هذا العام يحمل في طياته الحزن والكآبة، بعد استيلاء قوات النظام على الغوطة وتهجير وتشريد معظم أهلها، فضلاً عن مقتل الآلاف خلال الحملة العسكرية، لتغيب بذلك طقوس رمضان التي اعتاد عليها السكان خلال السنوات الست الماضية رغم الحصار الذي كان مفروضاً عليهم، في وقت يسعى فيه إعلام النظام إلى إظهار أن الحياة عادت إلى طبيعتها في الغوطة وأن الأسواق مكتظة والناس يعيشون أجواء رمضان.
واستولى النظام السوري على الغوطة الشرقية بعد حملة عسكرية بدأت في شباط الماضي، تمكن خلالها في البداية من السيطرة على جميع بلدات القطاع الأوسط وحرستا، لينتقل بعد ذلك إلى دوما ويفرض عليها حصاراً خانقاً أفضى إلى تهجير معظم سكانها، وبالتالي باتت معظم عائلات الغوطة، مقسّمة بين من فضّل البقاء في الغوطة، وبين مهجّر في إدلب وحلب أو نازح في مراكز الإيواء التابعة للنظام أو قتيل أو معتقل.
طقوس رمضان غائبة عن الغوطة
ومع سيطرة النظام على الغوطة، يزداد التساؤل حول كيف يقضي من بقي من السكان شهر رمضان، وهل طقوس الشهر الفضيل حاضرة كما اعتاد سكانها؟
في هذا الإطار قال الصحفي غياث أبو الذهب لـ SY24: إن “طقوس رمضان غائبة عن الغوطة الشرقية هذا العام ومعظم العائلات مشتتة، فجزء منها بقي في الغوطة وآخرون نزحوا إلى مراكز الإيواء وجزء هُجّر إلى إدلب وحلب، وبالتالي لم يعد بإمكان سكان الغوطة إقامة العزائم والزيارات أو حتى توزيع سكبات الطعام في شهر رمضان كما اعتادوا سابقاً”.
وأضاف أبو الذهب: “معظم الجوامع لا تقام فيها صلاة التراويح، وعمد النظام في بعض البلدات إلى إقامة صلاة التراويح في مسجد واحد، في محاولة منه لجمع السكان في مكان واحد، وعدم تجمعهم في عدة جوامع، كما أن الحركة خفيفة في الأسواق نتيجة قلة عدد السكان وضعف القدرة الشرائية لديهم، لكن بيع مأكولات ومشروبات رمضان كالمعروك والتمر الهندي والسوس وقمر الدين لا تزال موجودة”.
في حين قال الناشط الاعلامي مالك الحرك لـ SY24: “تتواجد في أسواق الغوطة كافة أنواع المواد الغذائية، إلا أن أسعارها أعلى من أسواق دمشق بنسبة 30 إلى 40%، فمثلاً كيلو السكر في الغوطة أغلى بخمسين ليرة سورية عن أسواق دمشق”.
وأرجع الحرك السبب قائلاً: “يعود سبب ارتفاع الأسعار في الغوطة لأن الطريق ما زال مغلقاً نوعاً ما، لذا يتم إدخال البضائع والمواد الغذائية عبر التجار المرتبطين بالنظام والذين يتحكمون بالأسعار”.
وأضاف مالك أن “النظام يعتبر الغوطة سوقاً لتصريف المنتجات، حيث يُدخل بضائع الى الغوطة، في حين يمنع خروج أي منتجات الى دمشق لتصريفها، وهذا يُسبّب استنزاف للسيولة المتوفرة لدى السكان، وبالتالي تنعدم القدرة الشرائية لديهم، وهذا أمر خطير للغاية، خاصةً أن معظم السكان ليس لديهم أي عمل يؤمنون من خلاله مصدر دخل”.
إعلام النظام يُروّج لعودة الحياة إلى طبيعتها
وفي المقابل عمد إعلام النظام السوري إلى الترويج عبر وسائل إعلامه، إلى أن الحياة عادت إلى طبيعتها في أسواق الغوطة، ونشرت وكالة أنباء النظام “سانا” تقريراً زعمت فيه، أن أسواق الغوطة الشرقية رغم بساطة موادها ومحتوياتها تشهد حركة نشطة وإقبالاً على التسوق مع بداية أيام شهر رمضان، وأن المحال التجارية عادت إلى العمل لتأمين متطلبات الحياة.
وفي السياق ذاته أعلنت وزارة السياحة التابعة للنظام، عن إقامتها لمهرجان “الخير بغوطتنا” للتسوق في بلدة كفربطنا، والذي بدأ في الخامس من الشهر الحالي، إلا أن تساؤلات طُرحت حول كيفية الذهاب إلى المهرجان في ظل منع قوات النظام دخول وخروج المدنيين من وإلى الغوطة الشرقية إلا من خلال الواسطات ودفع أموال كبيرة.
وقال الصحفي طارق يوسف لـ SY24: إن “النظام يسعى كعادته منذ بداية الثورة إلى إظهار أن الحياة طبيعية، وتنظيم مهرجان التسوق في كفربطنا هو محاولة لنقل صورة للعالم أن الحياة عادت لطبيعتها، ولكن هذا الكلام غير حقيقي، فالغوطة مدمرة والأسواق تحتاج لسنوات لتستعيد عافيتها، كما أن السكان في ظل ضعف قدرتهم الشرائية باتوا عاجزون عن التسوق، ولم يعد بإمكانهم سوى تأمين مستلزماتهم الضرورية”.
من جهتها قالت “فاطمة” وهي نازحة مقيمة في جرمانا لـ SY24: “حاولت الذهاب إلى الغوطة لزيارة أهلي في رمضان فلم يسمح لي حاجز النظام، وبعدما توسلت لهم، سمحوا لي بالدخول لخمس ساعات فقط مقابل دفع مبلغ 25 ألف ليرة سورية، أي أني لم أستطع البقاء مع أهلي لتناول الإفطار، فالعودة في المساء مستحيلة، وبنفس الوقت يمنع النظام عائلتي وباقي السكان في الغوطة من الخروج الى دمشق إلا باستثناءات قليلة”.
النازحون في مراكز الإيواء يعودون تدريجياً إلى بيوتهم مع بداية شهر رمضان بدأ النظام بإعادة بعض سكان الغوطة الموجودين في مراكز الايواء بريف دمشق إلى منازلهم، وأعلن رئيس “المركز الروسي للمصالحة” في سوريا الجنرال يوري يفتوشينكو الأسبوع الحالي، أن أكثر من 66 ألفاً من سكان الغوطة يعودون إلى منازلهم.
وقال غياث أبو الذهب: إن “النازحين في مراكز الإيواء يتواجدون في حرجلة والدوير والنشابية، وبدأ النظام بإعادتهم إلى الغوطة، فكل يوم تخرج ثمانية حافلات من مراكز الإيواء إلى بلدات الغوطة”، مشيراً إلى أن “النظام يعيد كبار السن والنساء والأطفال فقط، أما الشبان لا يزالوا في مراكز الايواء وقد يقودهم النظام إلى الخدمة العسكرية”.
وأضاف أبو الذهب أنه “ليس هناك موائد إفطار مقدمة من الجمعيات الخيرية للمقيمين في مراكز الإيواء خلال شهر رمضان، كما أن أغلب النساء خرجنّ من مراكز الإيواء، ولم يعد هناك من يطبخ للشباب، وبالتالي تولوا مهمة الطبخ بأنفسهم”.
وأوضح غياث أن “النظام يعمد لإعادة النازحين إلى البلدات التي عقدت مصالحات معه، ولاسيما كفربطنا وسقبا، أما البلدات التي شهدت معارك عنيفة كمسرابا والشيفونية وحمورية وجسرين فلم يسمح النظام لسكانها بالعودة أبداً، فالنظام يريد إيصال رسائل أن بلدات المصالحة تحصل على كل الخدمات والتسهيلات على عكس باقي البلدات الرافضة للتسوية”.
[foogallery id=”14930″]