لم تكن صور التعفيش القادمة من مخيم اليرموك جنوب دمشق، إلا تأكيداً آخر على أن هذه الظاهرة تعتبر ثقافة متجذرة، ليس في نفوس ضباط الأسد وعناصره فحسب، بل في نفوس كل من يؤيد هذا النظام الفاسد، ولم تكن هذه الظاهرة، ردة فعل بالمطلق كما يظن البعض، على الرغم أن أول حالة تعفيش حصلت في الثورة، كانت أثناء اجتياح قوات الأسد لمدينة درعا بعد أقل من خمسة أسابيع على انطلاقتها، وحينها سُرقت مئات المنازل والمحال التجارية من قبل تلك العناصر المحتلة للمدينة، وبتوجيهات من قبل ضباط ذوو رتب عالية، وبدت عناصر الأسد لسكان المدينة، وكأنهم عناصر التتار الذين قرأوا عنهم في كتب التاريخ، قد خلقوا من جديد واجتاحوا مدينتهم.
لم تتوقف ظاهرة التعفيش بعد اجتياح أول مدينة سورية في زمن الثورة، بل تواصلت وبتزايد على مدى السنوات السبع الماضية، لكل منطقة تحتلها تلك العصابات المجرمة.
كذلك فأن هذه الظاهرة لم تكن وليدة الثورة، فهي موجودة منذ وصول المقبور حافظ الأسد، المُعفش الأول لسوريا، ولو بطرق أخرى للتعفيش، وكل من دخل الجيش عرف عن قرب نفوس ضباط الأسد القادمين من جبال المقبور حافظ، كم هي دنيئة، حين كانوا يسرقون مخصصات الجنود ويرسلونها لبيوتهم بالرغم أن جميعهم أصبحوا ميسوري الحال بفضل “الجيش العقائدي”، بعد أن كانوا يعانون الفقر المدقع، ما جعلهم يعانون من مرض مزمن يسري في نفوسهم، ويمكن تسميته بمرض “عدم الشعور بالشبع والإحساس بالفقر الدائم”.
وسبب هذا المرض هو الخوف من العودة للحال الذي كانوا فيه، فأصبح هاجس الفقر وانتزاع السلطة من قبل الشعب السوري يُلاحقهم حتى في منامهم، لهذا نجدهم منذ بداية الثورة يسرقون كل شيء في منازل السوريين كالجراد الزاحف، بعد أن قتلوا وهجروا أصحابها.
بالطبع لم يكن الفقر يوماً في عرف الشعوب عيباً، والفقر لم يكن مختصراً على مناطق حافظ الأسد، بل منتشر موجود في مناطق عديدة من سوريا، لكن العيب والنذالة أن يصبح الفقر طريقاً للاستمرار في السلطة وتأييد الباطل، وأن تصبح السرقة في عرفهم نوعاً من الثقافة التي ترحب بها بيئتهم وتطالب بالمزيد من تلك السرقات من بيوت “أشقائهم في الوطن”.
ولكل من يقول إن هذه الظاهرة مارستها بعض العناصر من فصائل الثوار، أرد عليه بالقول: “الفرق كبير بين حالات شاذة من قبل بعض ممن ادعوا انتماءهم للثورة وقاموا بتعفيش بعض المنازل، وكان هناك رفضاً واستنكاراَ شعبياً من شريحة غالبية الشعب السوري المؤيدة للثورة، بل من فضحهم هم إعلاميو الثورة، وبعضهم ألقي القبض عليه وتمت محاكمته، وذلك لإيماننا بأن سوريا التي نبحث عنها، لا نريدها أن تكون مشابهة لـ “سوريا الأسد” بل نعمل في المناطق المحررة على طي صفحة “دولة الأسد” والجراثيم التي نشرها في المجتمع السوري”.
بينما على الطرف الأخر، – وأقصد شريحة المؤيدين-، نجد تأييد منقطع النظير لظاهرة التعفيش والسرقة في كل منطقة تحتلها قوات الأسد والميليشيات الطائفية الأجنبية المساندة لها، وكذلك تعامي وصمت من قبل النظام حول هذه الظاهرة التي لا تزال مستمرة منذ بداية الثورة، وهو ما يؤكد على أنها سياسية متبعة من قبل أعلى الهرم في هذا النظام الطائفي المجرم.
وأكبر دليل على ما أقول، هو تربع شخص على مواقع التواصل الاجتماعي لدى شريحة الشبيحة والمؤيدين على قمة المتابعة والتأييد، وخاصة من الساحل السوري، وهذا الشخص يدعى “طه القهوجي” وأطلق عليه المؤيدون اسم “القائد”، بمعنى آخر “قائد التعفيش في سوريا”، ومن خلال المتابعة وجدت أن نسبة التفاعل مع أغلب الفيديوهات التي يقوم بنشرها حول التعفيش، عالية جداً، من قبل تلك الشريحة، ويتجاوز التفاعل في الكثير من الأحيان لدى منشورات “قائد التعفيش”، خطابات ولقاءات قائد المعفشين والمؤيدين” بشار الأسد”، كما تخلوا التعليقات من أي انتقاد لهذا الشخص، بل نجد سيلاً من التعليقات التي تعلن تأييدها له ولهذه الظاهرة اللاأخلاقية، والتي يعاقب عليها القانون في أكثر البلدان تخلفاً وقمعاً في العالم.
الاستثناء الوحيد هو في “سوريا الأسد” حيث نجد تأييداً وترحيباً، بل أصبحت ظاهرة التعفيش أقرب للتشريع في هذا الدولة، خاصة حين نشاهد سيارات ودراجات تحمل السرقات في وضح النهار، وتمر من وسط دمشق باتجاه مستوطنات الشبيحة، دون أن يكون لديهم أدنى شعور بالخوف من المساءلة أو الملاحقة.
ووصل التعفيش لنهش بعضهم البعض، كما حصل قبل أيام حين وجد أحد الشبيحة بيته، يُعفش من قبل شبيح آخر في مخيم اليرموك، وجرت مشادة كلامية فيها الكثير من الكلام البذيء الذي يعكس أخلاق وصفات تلك الشريحة والتي أصبحت معروفة لدى الجميع، وهي أن لا مبادئ أخلاقية تحكمهم، ما يجعلهم كقطيع الضباع ينهشون بعضهم البعض، وهو أمر ينبأ بأن هذه الظاهرة ستكون نتائجها كارثية ضمن تلك الشريحة في قادمات الأيام.