إذا كانت الحروب تستهدف بأسلحتها الفتاكة الإنسان بأرضه وعرضه ومدينته؛ فحرب الأخبار الكاذبة والشائعات تستهدف عقله وقيمه، فالشائعة تنتقل عن طريق الأفراد أو وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، تكون سليمة تحمل آمالاً طيبة للمجتمع المحيط، أو تكون مدمرة تحمل الكراهية مسخّرة الظروف، تستهدف بسطوتها فئة معينة.
وتستهدف الشائعات غالبا أحداثاً كالحروب أو العلاقات بين المجتمعات المدنية كما تمس غالبا أشخاصاً أو جماعات معينين شيئاً معنوياً منهم، يطلق عليه الحرب النفسية وهو ما يتعرض له الكثير من طبقات المجتمع المدني في وقتنا الراهن، بالتزامن مع ما آلت اليه الثورة في معظم المدن السورية.
خلال السنوات الاولى من قيام الثورة السورية شهدت المدن السورية تلاحماً وتكاتفاً، بينما عجز نظام الأسد أن يكون دخيلا بينهم، لحين توسعت رقعة الاحتجاجات للبقاع السوري بالكامل، ومع مضي أعوام على الثورة وانتهاء عامها السابع والمراحل التي مرت عليها من سلميتها حتى تسليحها وتهجيرها.
تضمنت هذه المرحلة ضهور العديد من الفصائل، تفاوتت حينها عمليات التحرير، إضافة لانتصارات، قابلها انكسارات في مدن أخرى حتى تهجير العديد من أهالي المدن السورية، هذه الخسارات استثمرت من قبل جيش النظام الالكتروني لإحداث نعرات في صفوف الثوار والفصائل من بث الشائعات الكاذبة والتخوين لفصائل دون غيرها، كما نجح في إحداث نعرات ضد مناطق ثورية أخرى بغية النيل من رمزية المناطق وتحطيم الروح المعنوية، وهو ما أحرزه النظام اليوم فعلياً.
مع التغيرات التي شهدتها الأرض السورية من خسارات لمناطق كانت تخضع لفصائل الثوار؛ عمل النظام السوري على تجييش مختصين له في المجال الإعلامي، أو ما يعرف بالجيش الإلكتروني، عملوا على إحداث شرخ يولد عداوات وخلافات ما بين فصائل وثوار ومناطق ضد مناطق أخرى، جاعلين من منصات الإنترنت منطلقا لهم، لا سيما بعد عجز النظام التحرك منفرداً للقيام بأي عمل عسكري.
قرار النظام لم يعد ملك قياداته وأصبحت منصات الفيس بوك والواتس آب وتلغرام أحد عوامل حرب النظام إلكترونياً وبديلاً عسكرياً مكتفياً من مروجي الشائعات ورمادي المناطق المحررة العون له في ترويجها والاكتفاء بالمتابعة من قبل النظام لسكان المناطق المحررة لتصديقها والانجرار خلفها.
هذا المنطلق من الشائعات والأخبار الكاذبة يعتمد على المبالغة في أخبار معينة والترويج لها ونشرها على نطاق واسع أو خلق أخبار لا أساس لها من الصحة بهدف التأثير على الرأي العام تحقيقاً لأهداف متنوعة، أو كعامل ضغط لتنفيذ مخططات معدة من جهات معينة ضد مجموعات فاعلة ناجحة بهدف تعزيز العداوات ضدها من قبل المحيط الحيوي بها.
وغالبا ما تكون مصادر هذا الشائعات مجهولة وغير مؤكدة الصحة بل وكاذبة وذات مزاودات تصل حد التضخيم والمبالغة، وهي قابلة للتصديق والتداول من قبل رواد صفحات التواصل الاجتماعي.
وغالبا تكون بقيادة ما يعرفوا باسم “رماديون” وهناك فرق بين ما يسمى الشائعة التي تنتشر بشكل تلقائي، ودون أن يدري ناقل الخبر صحته من عدمه ويديرها “الفيسبوكيون الأغبياء” وبين الشائعة التي تنتشر بشكل جدي أي بفعل فاعل حيث يعي الناشر كذب الخبر ومع ذلك يصر على خبره بهدف ترويج الخبر المرجو نشره.
الإقناع والتكذيب والعمل على وأد الإشاعات بات أمراً غاية في الصعوبة من قبل ناشطي الثورة والشرخ في ازدياد مالم يتكاتف الجميع في مقاومته ودرئه والقضاء عليه بعدم الانجرار وراء كل ما ينشر على صفحات التواصل والكف عن نقل الروايات الكاذبة التي تكون منبثقة من غرف مخابرات النظام وعرابي المصالحات، وإلا فإنها ستحطم حتميا ما تبقى من الروح المعنوية التي ساهمت في استمرار الثورة ليومنا هذا.