يطل الفنان النجم باسم ياخور في الموسم الرمضاني الحالي بعدة أعمال درامية كعادته في كل عام، غير أن أهم أدواره على الإطلاق في هذا الموسم المليء بالتحف والنوادر والروائع الفنية، هو دوره في مسلسل “كاش مع باسم” حيث يلعب النجم ياخور دوراً معقداً ومركباً على أكثر من مستوى.
تبدو صعوبة هذا الدور واضحة جلية منذ اللقطة الأولى، فمقدم البرنامج شخصية ثقيلة الظل إلى درجة السأم، وشديدة الوقاحة في وقت واحد، ويفترض بها أن تكون منفرة أيضاً، ولكن أداء الشخصية يتطلب من الممثل أن يبدو على عكس صفات الشخصية الحقيقية، فعليه أن يفتعل خفة الظل وأن يفتعل محبة الناس إلى حدود المثالية، كما أن عليه افتعال شكل مقرب ومحبوب من الجمهور، وفوق كل ذلك يتطلب أداء الدور تمثيل عجز الشخصية وفشلها التام في الوصول إلى ذلك.
غير أن ذلك كله، يمكن اعتباره الجانب السطحي في تركيب تلك الشخصية شديدة التعقيد، فإذا ما أردنا استكمال تحليلها سنقف على مدى عمق الكاتب ومهارته في رسم ملامح شخصية تختصر التحولات الإنسانية وانقلاب المفاهيم، وتكشف القيم الجديدة التي أفرزتها سنوات الحرب، وتم اعتمادها في كثير من دول المنطقة كقيم بديلة تنسف كل المبادئ العليا المتعارف عليها تاريخياً.
فبالإضافة إلى ما سبق، يتطلب أداء شخصية باسم، الإلمام الواسع بكل صفات الانتهازية التي اتسمت بها شخصيات ما بعد الحرب السورية، وتحديداً انتهازية أمراء الحرب “المدنيين” الذين لم يحملوا السلاح، ولم يوافقوا على حمل السلاح إلا من قبل جهة واحدة، ووقفوا ضد القتل، باستثناء جرائم الإبادة التي تقوم بها الجهات المختصة “دفاعاً عن الوطن”، تلك الشخصيات التي دعت دائماً إلى السلام والمحبة واللحمة الوطنية ولكن من وجهة نظر القصر الجمهوري، ومن وجهة نظر القاتل الرسمي، القاتل الحكومي، فشجعت على سحق كل من يقف ضد الوطن، (أي الرئيس)، وأدانت كل من تفوه بكلمة واحدة ضد الوطن (أي الرئيس أيضاً) واتهمته بالخيانة العظمى.
وقد نجح المبدع ياخور بل تفوق على نفسه فعلاً في إبراز كل تلك المتناقضات من خلال الحلقات التي تم بثها حتى الآن، وهو ما يجعل المراهنة على نجاحه في باقي الحلقات أمراً لا شك فيه.
لقد راقت فكرة “محاربة الإرهاب” لشخصية باسم، تلك التي يؤديها الفنان باسم ياخور باقتدار، تماماً كما راقت للكثيرين ممن استفادوا واستثمروا في تلك الفكرة، فراحوا يتوارون خلفها ويبررون وقوفهم مع الإجرام الرسمي الحكومي بذريعة الطرف المقابل، وقد استطاع الفنان ياخور حقيقة أن يعري تلك الشخصيات ويزيل كل أقنعتها دفعة واحدة، فالبرنامج يضرب الشبيحة في العمق، ويفضح طرق تفكيرهم، وأساليب انتهازيتهم واستغلالهم للدم النازف من أجل تحقيق أمجاد شخصية.
ولكن الأكثر عمقاً في شخصية باسم، هو كشفها للعلاقات المشبوهة التي تربط ذلك النوع من البشر بمؤسسات الإجرام المختلفة، بل وفضح تلك المؤسسات أيضاً من خلال رعايتها للبرنامج الذي يعرض فيه المسلسل عمليات الارتباط الاستخباراتي بين صناع البرنامج ورعاته، فالمؤلف عمد إلى تسخيف مستوى البرنامج إلى درجة التفاهة لكي يقول: هذا ما تريده تلك البرامج، فهي تسعى إلى تجهيل الناس والهبوط بذائقتهم الفنية إلى الحضيض.
ولكن الأخطر من ذلك كله -كما نستشف من هدف المسلسل- هو تحميل مثل تلك البرامج التافهة مسؤولية الهبوط بالذائقة الوطنية إلى ما هو أبعد من الحضيض، عبر محاولة شراء المواطن بحفنة من الليرات ودفعه إلى نسيان مأساته المستمرة منذ سبع سنوات والتي توجت باحتلالات متعددة، ومع ذلك يطلب ذلك البرنامج على لسان الشخصية الرئيسية (مقدم البرنامج)، يطلب من السوريين أن يعودوا إلى حياتهم الطبيعية، وكأن شيئاً لم يحدث، وكأن شيئاً لا يحدث، وكأن شيئاً لن يحدث.
ولكن الأخطر من ذلك كله -كما نستشف من هدف المسلسل- هو تحميل مثل تلك البرامج التافهة مسؤولية الهبوط بالذائقة الوطنية إلى ما هو أبعد من الحضيض، عبر محاولة شراء المواطن بحفنة من الليرات ودفعه إلى نسيان مأساته المستمرة منذ سبع سنوات والتي توجت باحتلالات متعددة، ومع ذلك يطلب ذلك البرنامج على لسان الشخصية الرئيسية (مقدم البرنامج)، يطلب من السوريين أن يعودوا إلى حياتهم الطبيعية، وكأن شيئاً لم يحدث، وكأن شيئاً لا يحدث، وكأن شيئاً لن يحدث.
هنا تبدو مهارة ياخور واضحة، ولا سيما حينما يكشف عن المرجعيات الأخلاقية والثقافية للشخصية، والفنية أيضاً، فباسم يلعب دور ممثل ربطته علاقات مباشرة بمكتب ماهر الأسد منذ ما قبل الثورة، واستمرت خلال سنوات الثورة، واستطاع أن يستفيد من صلاته بالسلطة ويستثمرها ويوظفها لمصالحه الشخصية، وحينما بدأت عمليات التعفيش، وجدها مقدم البرنامج فرصة سانحة ليقاسم الجهات المختصة بغنائم الحرب من خلال برنامج قامت برعايته مجموعة من الشركات المشاركة في التعفيش منذ ما قبل الثورة، ثم إعطاء بعض التابعين ممن لم تتح لهم فرصة التعفيش جزءاً بسيطاً من الغنائم على شكل منح ومكرمات كتلك التي كان يقدمها الرئيس للمواطنين، حيث كان يقتطع جزءاً من أموالهم التي نهبها وعفشها، فيعيد إليهم نسبة لا تذكر وينتظر انهيال آيات الشكر والعرفان من المواطن المخدوع.
باسم مع كاش، أو كاش مع باسم، هو فضيحة كاش يقبضها كل من يحضر البرنامج، فضيحة لكل مصاصي دماء السوريين والمتكسبين على جثته، فضيحة للمتاجرين بالوطن والمتاجرين برمضان، والمتاجرين بالسلام والمحبة والسيادة، ولربما تكفي مشاهدة حلقة واحدة منه لمعرفة الهوية الحق يقية لسورية المتجانسة..
لقد وفر باسم ياخور على المعارضة الكثير من الجهد والأموال والوقت لصناعة برنامج يفضح واقع سورية الأسد اليوم، ولو أن المعارضة فكرت كثيراً واستعانت بالكفاءات الكبيرة، فلربما لن تصل إلى تلك النتيجة المثالية في إدانة نظام الأسد وكشف المآل الذي قاد سورية إليه ومعها كل من بقي في جمهوريته المتجانسة..