بعدما جُن أخوه نتيجة التعذيب والسجن لسنوات في معتقلات النظام، انبرى واحد من مشاهير النظام ومواليه والمشاركين في دعم جيشه عملا وقولا.. انبرى لمهاجمة محكمة الإرهاب، ووصفها بأنها مرتع الظلم الرئيس ومنبع الفساد والرشوة وقهر الشعب وسحق كرامته.
“علي شاهين” أو المعروف لدى الموالين باسم “علي عاقل” والذي يتابعه عشرات الآلاف على صفحته الرسمية والشخصية منذ سنوات، والذي كان حتى قبل شهر واحد يخدم في جيش النظام ويروج الصور والمقاطع عن “انتصاراته”؛ شن هجومه على النظام ومحكمة إرهابه، بالكلمة والصوت الصورة، حيث سجل لنفسه مقطعا من نحو 25 دقيقة، عرف فيه بنفسه وبأسرته، قبل أن يشرح ما حصل لأخيه “جاد” الذي اعتقله الأمن الجنائي في اللاذقية منذ سنوات وعذبه وأهانه، ثم حوله إلى “محكمة الإرهاب” ليتحول هناك إلى رقم من بين آلاف الأرقام، إلى أن فقد عقله تماما.
“عاقل” ذكّر بأن والده هو المطرب المشهور “علاوي شاهين” صاحب أغنية “مجاريح” (مات في خريف 2016)، وأنه يتحدر من قرية “عين الكروم” بريف حماة، وأنه خدم في جيش النظام ثم سرح، ثم استدعي عام 2012 للخدمة الاحتياطية، وشارك في معارك و”اقتحامات” كثيرة ضمن قوى الدفاع الجوي، وقدم خدمات جليلة للنظام عبر “جواسيس” مزروعين داخل الفصائل كانوا يسربون له المعلومات، حسب قوله، مدعيا أيضا أنه ساهم في عودة نحو 500 شخص من تركيا إلى حضن النظام، بالتنسيق مع المخابرات العسكرية والجوية.
وأشار “عاقل” إلى أن جنون أخيه كان نتيجة متوقعة لما لقيه في السجن، لا سيما أن أسرته عجزت عن تأمين رشوة للقاضي المشرف على ملفه (7 ملايين ليرة)، منوها بأن شقيقه “جاد” خطف قبل اعتقاله واضطر والده لبيع بيته مقابل دفع فدية له، ثم اعتقله الأمن الجنائي وعذبه بشده وسلمه لمحكمة الإرهاب، التي تولت هي الأخرى “اختطاف” جاد وباتت تطالب بفدية لإطلاق سراحه.
وأقر “عاقل” بخطورة ما قاله في المقطع المسجل وما يمكن أن يجره عليه من تبعات قد تصل حد تصفيته، لكنه بالمقابل تحدى من يريدون اعتقاله أو قتله أن يأتوا إليه في مكان إقامته الحالي بقرية “بسنادا” في ريف اللاذقية، حيث احتاط لنفسه ببندقية ومخازن عامرة بالطلقات مع عدد من القنابل، متوعدا بأن يدافع عن نفسه وكأنه يدافع عن منطقة “محررة”.
“عاقل” قال إن لدى محكمة الإرهاب 75 ألف موقوف يتولى التحقيق فيها 5 قضاة فقط، وأن من بين هؤلاء القضاة “مازن خانكان” الذي تولى ملف “جاد”، منوها بأن عددا من أعضاء مجلس الشعب يتوافدون على المحكمة باستمرار ويدفعون (يفتّون بتعبير عاقل) الدولارات من أجل تسيير معاملات موقوفين معينين، بينما لا أحد يلتفت إطلاقا للموقوف “الفقير”.
وصرح “عاقل” بأنه سبق وأن عرض قضية أخيه وناشد المسؤولين عبر مقطع وصل إلى “كولالمبور” حسب قوله، لكنه لم يبلغ أسماع النظام وكبار أعوانه، باستثناء بعض “المحترمين” من المسؤولين، و”المحترم أبيطلع بأيده شي (لا يستطيع فعل شيء)”.
واعترف “عاقل” ببعض ما جناه النظام عليه وعلى أسرته حتى قبل الثورة، فقد هدم بيتهم في “عين الكروم” ولم يعطهم تعويضا عنه، واستدعاه ليخدم في الاحتياط براتب شهري يعادل 12 ألف ليرة، بينما كان مدخوله الشهري نحو 100 ألف.
وتابع موضحا أن أباه مات من قهره على أخيه المحتجز “جاد”، وأن أخاه الآخر فقد عقله تقريبا، مقرا في الوقت ذاته بأنه نفسه (أي علي عاقل) يعاني مشاكل وتشوهات نفسية نتيجة ما شاهده في الحرب.
وروى “عاقل” كيف سمع بأذنيه صياح أخيه نتيجة التعذيب في فرع الأمن الجنائي، وكيف أهينت أمه أمامه وشتمت في ذلك الفرع، وكيف راجع محكمة الإرهاب مرات ومرات دون فائدة، ودون ان يلتفت إليه القاضي، اللهم فقط إلا عندما أراد هذا الأخير الاستياء من المقاطع او المنشورات التي كان “عاقل” ينزلها بين الحين والآخر على صفحته بشأن “جاد”.
وكرر “عاقل” خلال كلامه عبارات تتحدث عن إذلال الشعب وقهره، وعن وجوب محاربة هذا الفساد ومقارعة تنكر الدولة لـ “شعبها” الذي “ضحى” في سبيلها، مقابل قيامها بتكريم من “ذبحوا” العساكر.
مقتطفات مما قاله “عاقل” في المقطع المصور:
خيي اتركوه عندكن إن شاء الله بتلحقكن لعنة كل إنسان مظلوم مات بالسجن
قتلتونا قهر.. بانتظار الجهات المختصة لتجي توقفني بتهمة النيل من هيبة الي مالو هيبة محكمة الإرهاب
قتلوني عدموني ما ضل (أخـ…) أسوأ من هيك اذلال ممنهج
محكمة الإرهاب مرتع الظلم الرئيسي ومنبع الفساد والرشوة وقهر الشعب وسحق كرامته
لح يطق الشعب… الشعب الي تابع إلكن
تمنيت تكون داعش وصلت على عقر محكمة الإرهاب.
أبدنا (لانريد) بقى حركة تصحيحة ولا مناشد (نناشد) حدا
خوتونا نهيتونا.. ما ضل غير ستي ما توقفت
شعبنا خانع خايف من الجلد،
مادام الخنوع مستمر كل ما ركبوا على ضهركن أكتر.
البديل الكارثي أنشأ بشار الأسد محكمة الإرهاب عام 2012، لتحل مكان “محكمة أمن الدولة” سيئة الصيت، فأسهمت المحكمة الجديدة بإحداث كوارث في المجتمع السوري خلال سنوات قليلة، لم تحدثها المحكمة القديمة خلال عقود.
وباتت محكمة الإرهاب سيفا مسلطا على رقاب السوريين، المطالبين بدفع رشاوي ضخمة للغاية مقابل معرفة مصير معتقل أو رؤيته، أما إطلاق سراحه فهذا له “تسعيرة” خاصة لا يقوى عليها إلا أصحاب الثروات الكبيرة.
ويمثل قضاة محكمة الإرهاب أداة بارزة من أدوات القتل والإرهاب “المشرعن” في سوريا، حيث صدرت وتصدر عنهم آلاف أحكام القتل والتصفية، بحق السوريين بحجة ارتكاب “أعمال إرهابية”، رغم أن أكثر الاعترافات إن لم يكن كلها منتزع تحت التعذيب الشديد.