في البداية يجب أن يدرك الجميع بأن لكل منطقة في سوريا خصوصية، وما حصل في منطقة ما بالبلاد، ليس بالضرورة أن يطبق في منطقة أخرى سواء من الناحية الجيوسياسية لتلك المنطقة أو من ناحية وضع الفصائل، فضلاً عن دور القوى الدولية والإقليمية وحتى دول الجوار.
وبما أن الأنظار تتجه هذه الأيام نحو الجنوب السوري أي محافظتي درعا والقنيطرة والأقاويل عن قرب معركة حاسمة من قبل الروس والنظام للسيطرة على هاتين المحافظتين، فيجب عدم التعاطي مع هذا الموضوع من منظور عاطفي بحت، بقدر حقائق منطقية على الأرض تخص الجنوب، لاسيما اتفاق التهدئة الذي حصل فيه، وهو ما يتجاهله الكثير من المحللين السوريين وغير السوريين، فضلاً عن وجود حقيقة أخرى تغيب عن الكثير، خاصة ممن أتخذ لنفسه دور المثبط من قبل الموالين للثورة، وتتمثل هذه الحقيقة بأن معظم المناطق التي سقطت بيد النظام وحلفائه، جاء بعد سنوات من الحصار والقصف وضمن منطقة جغرافية ضيقة، وهو ما يجعل منطقة الجنوب، استثناء دونما تلك المناطق ويعطي لفصائلها أفضلية للمقاومة واستنزاف قوات الأسد والميليشيات الطائفية شهور عديدة.
وأعود للاتفاقية الخاصة بالجنوب، فأهم ما يميزها، هو تفردها دون اتفاقيات “خفض التصعيد” في سوريا، بأن واشنطن تعترف بها وخارج إطار مؤتمر “أستانا” وتمت على أعلى المستويات بين موسكو وواشنطن، حيث تمت بين ترامب وبوتين بشكل شخصي، وتمت بلورة وتثبيت الاتفاق في العاصمة الأردنية بعد أسابيع، وفق ما سُمي فيما بعد بالاتفاق الثلاثي (الأمريكي الروسي الأردني).
نعم، إلى الآن تحاول واشنطن بعث رسائل تهديد للنظام في حال شن هجوم على الجنوب، لكن لا يمكن أخذ النوايا الأمريكية والتي هي انعكاس للنوايا الإسرائيلية، على محمل الجد، لكن كل المؤشرات تقول بأن الأمريكان مصّرين على بقاء الوضع في الجنوب هادئ على الأقل في المدى المتوسط، مع بعض الأمور التي ترضي الروس والأردن والنظام على حد سواء، من بينها فتح معبر نصيب الحدودي مع الأردن، لكن كيف سيكون ومن سيقوم بتشغيله من الجانب السوري ولمن ستكون عائدات المعبر، الأيام القادمة ستجيب عن هذا.
ويأتي هذا التهديد الأمريكي خوفاً من موجات لاجئين بمئات الآلاف سواء نحو الأردن – الحليف التقليدي لواشنطن – المنهك اقتصادياً، أو حتى نحو “إسرائيل” والتي تريد أن تبقى النار بعيدة عنها.
أما على الطرف الداخلي وأقصد الفصائل والأهالي، ولعل الكثير من المتابعين لهذه المنطقة يحاولون تجاهل عن قصد أو عن غير قصد، بأن وضع فصائل درعا والقنيطرة أفضل بكثير من مناطق سقطت بيد النظام أو حتى التي لا تزال بيد الفصائل، فلا اقتتال حصل بينها، إلا في حدود ضيقة ومختصرة فقط بين فصائل “الحر” مع بعض الفصائل التي أعلنت البيعة لتنظيم “داعش” الإرهابي، والفصائل المتطرفة الآن ومنذ سنوات في جيب صغير أقصى الريف الغربي لدرعا، ولم تؤثر تلك المعارك على بقاء القوة الكبيرة لفصائل الجيش الحر بالجنوب في صد أي محاولة اعتداء من قبل النظام وحلفائه.
كذلك ورغم الأخطاء التي وقعت فيها الفصائل بعدم الاندماج ضمن تشكيل عسكري واحد، إلا أن هذا لا يعني بأنها مشتتة أو متفرقة، سيما وأن جميعها منضوي تحت راية الجيش الحر ولا راية ترفرف في 97 % من مساحة المحافظتين المحررة، سوا راية الثورة، فضلاً عن استمرار “غرفة عمليات البنيان المرصوص” والتي قادت معركة ” الموت ولا المذلة” العام الماضي وهي تشكل ما نسبته 30% من فصائل محافظة درعا، إضافة لوجود “جيش الثورة” والذي يضم أبرز الفصائل الكبيرة في درعا والقنيطرة.
أيضاً فهناك العديد من التشكيلات الجامعة، ولا ينقص فصائل الجنوب إلا إعلان غرفة عمليات واحدة، واندماجها ضمن جسم عسكري واحد، وأراه ليس صعباً بل أمر بديهي وسهل التطبيق على الأرض، فلا خلافات عقائدية او فكرية او ثورية بين جميع فصائل الجيش الحر بدرعا والقنيطرة.
أما على الجانب الشعبي، فالغالبية الساحقة ممن بقي في الجنوب والذي يتجاوز عددهم نحو مليون نسمة، أكدوا أنهم مع الثوار في الدفاع عن أرضهم وعرضهم، ولن يغادروا أرضهم إلى أي مكان آخر في سوريا.
أما على الجانب الشعبي، فالغالبية الساحقة ممن بقي في الجنوب والذي يتجاوز عددهم نحو مليون نسمة، أكدوا أنهم مع الثوار في الدفاع عن أرضهم وعرضهم، ولن يغادروا أرضهم إلى أي مكان آخر في سوريا.
وما يجعل إعلان الأهالي بالتأكيد على الثبات في الأرض ورفض عودة النظام مهما كلف الأمر، لوجود نقاط قوة يتمتع بها الجنوب على حساب النظام، من أهمها: أنها منطقة واسعة وغير واقعة تحت حصار ولها حدود مع مشتركة مع الأردن وكذلك مع الجولان المحتل وقبل كل هذا ثقتهم بقدرة الفصائل للدفاع عنهم.
وإذا أراد النظام أن يقتحم الجنوب بعناصره، فلن تكفي جبهات القتال والتي تزيد عن 150 كلم، وحتى لو زج بعناصر طائفية أجنبية من إيران ولبنان والعراق، ستبقى المساحة كبيرة تمكن فصائل الثوار من صد وإلحاق خسائر كبيرة بالمهاجمين، والتاريخ القريب يُخبرنا بأن الغالبية العظمى من المعارك التي خاضتها فصائل الجنوب تمكنت من الانتصار فيها، و توزيع نقاط السيطرة
بقي على ماهو عليه منذ التحرير الأول صيف 2012 وبنسبة 95% وهي ميزة تنفرد فيها هذه المنطقة.
لكن ورغم ما تقدم، فأن مصير الجنوب يبقى رهن واشنطن بتوجيهات إسرائيلية صاحبة القرار الأول في مصير الجنوب، سيما إذا ما تركوا الروس يمارسون سياسية الأرض المحروقة، لكن لا خيار لدى فصائل الجنوب إلا القتال والثبات أكبر مدة ممكنة في وجه جبروت الأعداء، وهي ما ستمكنهم من صد العدوان والانتصار، فالثوار هم أصحاب الأرض ويدافعون عن أرضهم، ولن تكون معركة الجنوب -إن حصلت- مجرد نزهة للروس والنظام والميليشيات الطائفية، بل ستكون ناراً تحرق كل من يريد الاعتداء على مهد الثورة السورية.
ولعل درس معركة “الموت ولا المذلة” بمدينة درعا البلد، يعتبر درساً قاسياً في الأرشيف القريب للنظام والروس وحتى الميليشيات الإيرانية، حينما فشلوا جميعاً على مدى ستة شهور من التقدم شبر واحد في حي المنشية بدرعا البلد، بل تمكنت فصائل الثوار من دحر الأعداء عن غالبية الحي الاستراتيجي، فكيف بمن يريد أن يسيطر على نحو 4 آلاف كلم مربع، مساحة المناطق المحررة بدرعا والقنيطرة؟!.