في هذه الأثناء تتعرض إدلب والغوطة الشرقية لحملة إبادة ممنهجة، هدفها القضاء على كل شيء يدب على الأرض، ولقد شاهد العالم مدى الدموية والبشاعة في قتل الأطفال والنساء، حيث تحولت المناطق المستهدفة إلى كتل نارية ملتهبة تصهر كل ما بداخلها، واحتلت صور المجازر المتلاحقة الشاشات ومواقع التواصل الاجتماعي، مؤكدة مضي النظام في سياساته وعجرنا كشعب سوري في لجم جموحه، في ظل عالم متعامٍ ومتجاهل لكل ما حدث ويحدث.
إن أردنا التكلم في هذا المقال عن جزئية واحدة متعلقة بالشأن العسكري، وطرح سؤال واحد وهو “ما أكثر شيء خدم نظام الأسد من الأدوات التي يستخدمها في حربه ضد السوريين”؟ وما هو الشيء ذاته إن فقده نظام بشار الأسد فإن مجريات المعركة قد تتغير ويخفف الكثير عن الشعب الذي يتعرض لأبشع أنواع الإبادة؟
الحال الذي وصلت إليه مدننا اليوم سببه الطيران وكبرى المجازر سببتها البراميل والصواريخ الفراغية.
الجواب بكل تأكيد هو (الطيران الحربي) الذي أثخن كثيراً في القتل والتدمير، فالحال الذي وصلت إليه مدننا اليوم سببه الطيران وكبرى المجازر سببتها البراميل والصواريخ الفراغية.
في منتصف عام 2012، بدأ نظام الأسد باستخدام الطيران الحربي، للقضاء على الثورة السورية، خصوصاً بعد خروج مساحات كبيرة من تحت سيطرته، وعجز قواته المنهارة في اقتحام المدن المحررة، فضلاً عن تنامي قوة الجيش الحر المهدد الرئيسي لحكم الأسد، ومنذ ذلك التاريخ استطاع الأسد قتل أكثر من 200 ألف مدني بسلاح الجو، ودمر أكثر من 70 بالمائة من المدن والبلدات الثائرة.
24 مطاراً عسكرياً يتركز غالبيتها حول الثقل السكاني في المدن الكبرى، وبالقرب من التشكيلات العسكرية الرئيسية، كانت العمود الفقري في الدفاع عن حكم الأسد، وشاركت جميعها في سفك دم الأبرياء وتسوية المدن والبلدات السورية بالأرض، فالكيماوي والبراميل المتفجرة والصواريخ الحرارية والعنقودية المستخدمة في قصف المناطق السكنية؛ أسلحة انطلقت من هذه المطارات وتعد جميعها من وسائل الإبادة الجماعية والممنهجة التي لا تبق ولا تذر من البشر والحجر والشجر.
ولم تقتصر مهمة مطارات الأسد أو كما يطلق عليها السوريون “مطارات الموت” على عمليات القتل والقصف، بل كان لها دوراً أخر، فعلى سبيل المثال مطار حماة ضم معامل تصنيع للبراميل المتفجرة، ومطار المزة العسكري الذي تحوّل منذ بدء الثورة إلى معتقل كبير، مورست فيه أساليب تعذيب أدت إلى مقتل العشرات، وربما المئات من السوريين. ويعد هذا المطار مقراً لما يُسمّى بـ “الاستخبارات الجوية” التي استحدثها حافظ الأسد، في بدايات سبعينيات القرن الماضي وجعلها حكراً على الموالين له، وهي تعد الجهاز الأكثر فتكاً بالسوريين.
إن أراد الثوار السوريين بالفعل إنهاء معاناة شعبهم السوري، عليهم البحث عن طريقة فعالة تساعدهم في الخلاص من مطارات الموت، التي خدمت الأسد في حربه أكثر من كل الميليشيات الطائفية التي تقاتل إلى جانبه، ولعل أكثر ما يوجع الأسد وحلفائه هو خسارتهم لسلاح الجو، وهذا تماما ما حدث مع روسيا عند سقوط إحدى طائراتها الاسبوع الماضي في إدلب، ولهذا السبب صبت جام غضبها على ريف إدلب وحولته لجحيم، وكذلك ما حدث ليلة رأس السنة وخسارتها أكثر من سبع طائرات.
يقول بعض الخبراء إن نظام الأسد خسر أكثر من 220 طائرة من مجموع الطائرات التي يملكها وهو 280 طائرة، لكن وتيرة القصف لم تخف أو تهدأ ليوم واحد، لأن الحل الوحيد في شل حركة الطيران يكمن في تدمير مدارج المطارات في حال فقدان مضادات الطيران.
منذ أن استخدم الأسد الطيران في قصف الشعب السوري، لا يكاد يمر يوماً في سوريا دون ارتكاب مجزرة بحق الشعب السوري الذي خرج قبل سبعة أعوام من أجل مستقبله وحريته، لكنه لم يكن يعرف أن ما سيناله هو الحمم المتساقطة من السماء والموت الذي يحصد أرواح أطفالهم وما ملكت أيمانهم.