الإرهابيون في سورية هم الجهة الوحيدة التي تمتلك السلاح الكيميائي، وهم وحدهم من يستعملون ذلك السلاح، ولكن ضد أنفسهم وضد مناطق سيطرتهم وحاضنتهم الشعبية!
ذات السيناريو الفانتازي الذي يكتبه نظام العصابة في دمشق، يتكرر مرة أخرى خلال التحضيرات لضرب إدلب، دون أن يلتفت صانع السيناريو للخلل البنيوي العميق في الرواية المختلقة، فكيف يمكن لخصم أن يحارب خصمه من خلال ضرب نفسه بأقوى سلاح لديه، وفي معركة وجودية لا يمكن لأحد الطرفين فيها التفريط بطلقة واحدة، ولماذا يبدو النظام حريصاً كل ذلك الحرص على كشف أوراق الإرهابيين ومحاولة منعهم من ضرب أنفسهم رغم أن ذلك يصب في مصلحته بالدرجة الأولى؟
ليس لدى نظام العصابة أي مستند يمكن الاعتماد عليه في تصنيع تلك الرواية المتكررة والمملة سوى فكرة تحريك المجتمع الدولي لتوجيه ضربة عقابية له قد تؤدي للإطاحة به، ولكن هذا المستند مخروق أيضاً بدلالة التجارب السابقة والتي كان من أهمها حادثة ضرب الغوطة الشرقية بالكيماوي في العام ٢٠١٣، وما تلاها من استخدامات متكررة لذلك السلاح، والذي لم يحرك المجتمع الدولي إلا من خلال تمثيلية ترامب وحلفائه، والتي أنتجت إطلاق بضعة صواريخ على أماكن متفق عليها ولم تحدث أي تأثير على النظام، قدر ما أعطته الفرصة لاستثمارها وتأكيد فكرة استهدافه من قبل الإمبريالية العالمية.
باتت المسألة هنا على درجة كبيرة من الوضوح، فاستخدام السلاح الكيماوي سيمر بدون عقاب، والمعارضة المسلحة -أو الإرهابيون كما يصفهم نظام الأسد- باتت تعي ذلك جيداً ولا يمكن لها التعويل على استفزاز المجتمع الدولي مهما كانت درجة غبائها السياسي.
باتت المسألة هنا على درجة كبيرة من الوضوح، فاستخدام السلاح الكيماوي سيمر بدون عقاب، والمعارضة المسلحة -أو الإرهابيون كما يصفهم نظام الأسد- باتت تعي ذلك جيداً ولا يمكن لها التعويل على استفزاز المجتمع الدولي مهما كانت درجة غبائها السياسي.
هنا يبدو الثقب في أوسع حالاته في رواية النظام، تماماً كما في كل رواياته السابقة منذ أن ارتفعت أول صرخة تطالب بالحرية.
المشكلة الكبرى تتمثل في تسامح المجتمع الدولي ليس فقط مع استخدام الكيماوي، بل أيضاً مع الروايات ذات الخيال الواسع التي يفصلها النظام على مقاس حقائقه الكاذبة، ولو أن ثمة سبباً لمحاسبة النظام لكانت افتراءاته على الدول كافية لحشد تحالف دولي للقضاء عليه، فالنظام لا يتوانى عن اتهام أوروبا بأكملها بالإرهاب وبدعم الإرهابيين، ولا يستثني دولة من تلك التهمة سوى الدول التي تسانده، ولو أن أحدًا من أهم حلفائه وممن ناصروه وقاتلوا إلى جانبه انقلب عليه وطالب برحيله، لما تلكأ النظام لحظة عن اتهامه بالإرهاب.
لو كانت المعارضة المسلحة تمتلك السلاح الكيماوي وبتلك الكميات التي يتحدث عنها النظام، لما كانت بحاجة إلى مساعدة المجتمع الدولي، ولكانت لن تتردد في استخدامه ولكن ضد عدوها لا ضد نفسها، ولو أنها تمتلك ذلك السلاح لما تجرأ النظام أصلاً على قتالها، فهذا السلاح استطاع -كما يقول النظام نفسه- أن يؤدي إلى توازن الرعب بين سورية وإسرائيل التي تمتلك القنبلة النووية، ولو أن لدى المعارضة أي نوع من السلاح الذي يشكل تهديداً حقيقياً لأمن النظام، لرحل ذلك النظام منذ فترة طويلة.
لقد خاض النظام حربه ضد الشعب السوري من منطلق ثقته بتفوقه العسكري الكبير وغير القابل للمقارنة مع القوة العسكرية للمعارضة، ولم يخض معركة واحدة فيها ولو قليل من الرجولة، فقد أدار حربه بطريقة جبانة تعتمد على حرق البشر والحجر، واستقوى بالخارج وبالقوى الإقليمية والدولية العظمى، ولم يترك شكلاً من أشكال الجريمة إلا وارتكبها ضد السوريين حتى خارج سورية.
وبلغ حجم ارتكابات النظام بحق السوريين مبلغاً يبرر للشعب السوري استخدام السلاح النووي ضد خصمه فيما لو كان يمتلك ذلك السلاح، فكيف يتأتى له أن يمتلك السلاح الكيماوي ثم يصر على ضرب نفسه به وهو يعي جيداً أن سقف ردة الفعل الدولية بضعة تصريحات تنتهي في اليوم التالي على الحادثة.
لم يعرف تاريخ الحروب والثورات المسلحة ذلك النوع الغريب من الاستراتيجية التي تتبعها المعارضة السورية في تعاملها مع مخزونها من السلاح الكيماوي، فهي الجهة الوحيدة في تاريخ الحروب التي ابتدعت فكرة ضرب نفسها بالسلاح الذي يمكن أن ينهي خصمها ويقضي عليه! في الحقيقة، لم يعرف تاريخ الرواية سيناريو أكثر هشاشة من ذلك الذي يصنعه النظام، ولا أكثر منغولية من أولئك الذين يأخذون روايته على محمل الجد، أو أولئك الذين يعتقدون أنها رواية قابلة للنقاش.
تعرف المعارضة جيداً أن معركة إدلب – فيما لو حدثت- ستكون معركتها الأخيرة، ومع ذلك فهي تخطط -كما يدعي النظام- لمساعدة خصمها في القضاء على نفسها ومن أجل هدف مجاني، ولربما كانت فرصتها الأخيرة باستعمال الكيماوي ضد النظام ومعاقله، وإعادة قلب الطاولة عليه، ولكن تلك المعارضة مصرة على الانتحار وذبح نفسها وأتباعها من أجل الفوز ببعض التصريحات والتنديدات من قبل المجتمع الدولي، ثم ينتهي الأمر بالتسليم بالأمر الواقع، وتلك أكثر قصص الحروب غرابة وفنتازية..