لم تنم عشرات آلاف العائلات المهجرة والنازحة، ليلة الجمعة، في أول يوم من فصل الشتاء الذي يظهر أنه لن يكون عادياً، هناك على الحدود السورية التركية يقع أكبر موطن للمهجرين في العالم، قِيل بأنه مؤقت وتتالت السنون على أصحابه الذين يعيشون داخل خيام لا تقيهم برد الشتاء ولا تحميهم من العواصف والأمطار، وبالرغم من ذلك ما زالت الأعداد الوافدة في تزايد ومازالت الخيام تُنصب في كل يوم، لا هجرة أخرى كما تفعل الطيور الباحثة عن الدفئ، وكأن القدر قد كتب على هؤلاء البقاء في تلك البقعة للأبد.
استيقظ الأطفال ممن اتخذوا من أحضان أمهاتهم مكاناً يقيهم العواصف والرياح والبرد الشديد الذي حرم المهجرين والنازحين في المخيمات العشوائية على الحدود السورية التركية، من النوم في ليلة تبدو وكأنها من أقسى أيام الشتاء هذا العام، اقتلعت رياح العاصفة مساكنهم المهترئة والممزقة ، ليضطر البعض على قضاء ليلته خارج الخيام التي سقطت معظمها على رؤوس قاطنيها، أو داخل السيارات وفي المساجد القريبة.
كـ “النحل التائه” الذي يبحث عن خليته، هكذا بات المشهد في المخيمات السورية على وقع العاصفة التي مازالت مستمرة منذ مساء يوم الخميس، بل منذ سبع سنوات.
يقف “أبوعمر” النازح البالغ من العمر 50 عاماً وهو من ريف حماه على أطلال خيمته التي دمرت بفعل العواصف والرياح، يحاول أن يجمع قطع الكرتون المبللة ومخلفات البلاستيك التي بعثرتها العاصفة، والتي كان قد جمعها سابقاً لتكون مؤونته الشتوية التي يستخدمها كمواد للتدفئة.
وقال “أبو عمر” والحسرة لا تفارق ملامح وجهه، إن “ما بناه وجمعه طيلة الصيف الماضي (ضاع بلحظة واحدة)، وما حدث كان مفاجئاً للجميع، لم تكن تتوقع الناس أن يدخل الشتاء بهذه السرعة”.
وأكد “أبو عمر”، أن “معظم الأهالي لم يذوقوا النوم طيلة الليلة الماضية، والكثير منهم قضى ليلته في العراء تحت الأمطار الكثيفة التي دمرت عشرات الخيام بشكل كامل، وجعلت منها غير صالحة للسكن”.
وأضاف: “الحال هنا ينطبق نفسه على جميع المخيمات الممتدة من ريف اللاذقية وصولاً إلى مدينة جرابلس، وأن هذا الحال لم يكن الأول إنما بات أمراً روتينياً يتكرر كل عام مرات عديدة ولا حياة لم تنادي”.
التقى فريق SY24 خلال جولته في أحد المخيمات العشوائية، الشاب “محمد” النازح من ريف حماه أيضاً، حيث قال: إنه “يعيش شعوراً متناقضاً يجمع بين الفرح والحزن، هو اجتماع النقيض كما يقول ممازحاً ما بين أرضه المزروعة في ريف حماه والتي تحتاج إلى المطر ومابين خيمته الهزيلة التي اجتاحها المطر وحوّلها إلى بركة ماء يعوم عليها عفش البيت”.
وبين “محمد” أن “ينقم على المنظمات الإنسانية ويحملها مسؤولية ما جرى ويجري في كل عام، والجميع يعرف أن هذه الخيام لا يمكن أن تُقاوم العواصف ولا مطر الشتاء، وأن هذا الحال قد تكرر مرات عديدة وسيبقى يتكرر ولكن لا من مجيب”.
وأشار إلى أن “الشتاء مازال في بدايته وأن المعاناة ستكون فظيعة وكارثية كلما اشتد البرد أكثر، وما زال العالم مصراً على تجاهل مأساة السوريين وتركهم لوحدهم يواجهون المصير في (ثامن) شتاء يمر عليهم ولا أمل يلوح بالأفق في أن يكون الشتاء الأخير”.
غير بعيد عن (محمد) تجلس امرأة سبعينية على “إطار سيارة “، وقد لفّت جسدها النحيل ببطانيات لا تبدو أنها مبللة، شاحبة الوجه يظهر عليها التعب والإرهاق ترمق بنظرها يميناً ويساراً تتابع بأسىً حالها وحال الناس من حولها
ليست تلك العجوز هي الوحيدة التي تلتف بما يعوضها برداً قد اخترق العظام، وشفاهاً تلونت بالزرقة بل هي مشهد صغير يختزل كثيراً من القصة ، أينما يمنت وجهك سترى عشرات الأطفال والنساء والشيوخ من حولك قد لفّوا أنفسهم ببطانيات وألبسة ثقيلة باحثين عن دفئ مؤقت، حاملين في صدورهم هموماً قادرة على هدم الجبال”.
ارتسمت ملامح تلك الهموم على وجوههم المرهقة، فالأيام التي كانوا يعدونها تحولت إلى سنين، والمنفى المؤقت بات الوطن الذي لا نهاية له، والسقف الذي كان يمدهم بالطمأنينة تحول إلى قطعة قماش تغادرهم مع أول عاصفة، ليبقى المصير والمستقبل يمضي في ذلك النفق المجهول.