من جديد، يعود ملف السلاح الكيميائي إلى الواجهة وهذه المرة من خلال سلطات جديدة سيتم منحها لفريق منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وستبدأ بتنفيذها في شهر شباط/فبراير المقبل.
وستكون مسؤولية الفريق الجديد والمؤلف من عشرة أشخاص، تحديد الجهة المسؤولة عن استخدام السلاح الكيميائي، بعد أن كان عمل الفريق السابق يقتصر فقط على إثبات أن هذا السلاح قد تم استخدامه أم لا في مناطق بسوريا.
وقال “فرناندو أرياس” المدير الجديد للمنظمة في تصريحات صحفية، يوم الثلاثاء، إنه “سيتم قريبا تعيين فريق أساسي مؤلف من عشرة خبراء منوط بتحديد المسؤول عن الهجمات بالغاز السام في سوريا”.
وحصلت المنظمة على سلطات إضافية، لتحديد الأفراد والمؤسسات المسؤولة عن الهجمات، من الدول الأعضاء فيها وعددها 193، خلال جلسة خاصة في شهر حزيران/يونيو، عارضها نظام الأسد وروسيا وإيران.
وقال “أرياس”: إن “الهدف من التفويض هو تحديد الجناة الذين ارتكبوا جرائم نُفذت بأسلحة كيماوية، لكن المنظمة ليست محكمة وليست جهاز شرطة، وستحيل القضايا إلى منظمات الأمم المتحدة التي تملك سلطة معاقبة المسؤولين”، بحسب وكالة “رويترز”.
وأثارت مهمة فريق المنظمة الجديد العديد من التساؤلات، حول أهمية هذه الخطوة؟ وما هو الشيء المختلف الذي سيقدمه الفريق الجديد؟ وهل بالفعل سيدين هذا الفريق نظام الأسد وداعمته روسيا أم أنهم سيكتفون بتأكيد المؤكد فقط
صلاحيات تُحقق العدالة لضحايا الكيميائي
“نضال شيخاني” مسؤول العلاقات الخارجية لمركز توثيق الانتهاكات الكيميائية في سوريا CVDCS، رأى أن “تشكيل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لفريق من الخبراء يعطي الصلاحية أكبر لتحديد الفاعلين دون الرجوع لمجلس الأمن”.
وأضاف في حديثه لسوريا 24: أن “أهمية هذا القرار تكمن في أن الصلاحيات التي تمتلكها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية ليست كما الصلاحيات التي امتلكتها آليات أخرى وتم إسقاطها في مجلس الأمن من خلال الفيتو”، مبينًا أن “صلاحيات منظمة حظر الأسلحة الكيميائية الجديدة، تفيد بأن التقري الذي سيصدر عن المنظمة سيحال إلى الدول الأعضاء دون الرجوع لمجلس الأمن ولا يمكن الطعن فيه، والصلاحيات أيضا تسمح للمنظمة ذاتها باللجوء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة دون الرجوع لمجلس الأمن”.
كما يرى “شيخاني”، أن “تلك الصلاحيات تحقق العدالة لضحايا الأسلحة الكيميائية، وأن العمل على إنشاء فريق من 10 خبراء من المنظمة هو ضمانة لتنفيذ اتفاقية منظمة حظر الأسلحة، دون استخدام أي نفوذ سياسي للطعن بتقارير الخبراء الدوليين”.
وبحسب “شيخاني” فإن “فرق منظمة حظر تتميز بالعمل التقني البحت الذي جرّ مجلس الأمن للاجتماع أكثر من 5 مرات على ملف الأسلحة الكيماوية، كما أنها تتميز بالعمل الأكاديمي البعيد عن التنافس السياسي، وهذا يسمح للعدالة بأن تنجلي من خلال التحقيقات التي من الممكن أن يقوم بها الفريق الجديد المكلف من المنظمة”.
وأشار إلى أن “منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، لديها إجراءات صارمة بالحفاظ على سرية الشهود، وأيضًا موضوع جمع الأدلة إن كانت العينات أو الذخائر أو الشهادات بالحرز على هذه الأدلة واستلامها ووضعها ضمن تقارير موفدة إلى 193 دولة التي هي الدول الأعضاء في المنظمة”.
التحقيق بكل الهجمات الكيميائية من جديد
وأعرب “شيخاني” عن اعتقاده بأن تكرار صلاحيات المنظمة اليوم، سيعطي هذا الملف قيمة قانونية خاصةً وأنه تم إعادة هيكلة التحقيق منذ عام 2014، بمعنى أن كل الضربات من عام 2014 وحتى اليوم سيتم التحقيق فيها من جديد، حتى يصدر التقرير النهائي والذي سيؤكد أن المنظمة ستلجأ لمحاسبة ومعاقبة المتورطين، وتنفيذ كافة البنود والشروط التي تؤكد على معاقبة كل من تورط باستخدام تلك الأسلحة.
وعن دور “مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية في سوريا” في التنسيق والتواصل مع فريق المنظمة الجديد، أوضح “شيخاني”، بأن “المركز ومقره في بروكسل، سلّم مسبقًا حوالي 19000 ملف لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية ولآلية التحقيق المشتركة التي تم إسقاطها عام 2017″، مؤكدًا أن “المركز سيكون له دور فعال كونه يُعد مرجعية لكافة الملفات التي استلمتها البعثات الدولية أثناء التحقيق على مدار 5 سنوات، وأن المركز سيعمل على تسليم أدلة جديدة تحتوي مؤشرات واضحة على تورط طيران الأسد باستخدام الأسلحة الكيميائية إن كان غاز الكلور أو السارين أو في ضربات أخرى”.
ولفت، إلى أن المركز يعمل مع “الآلية الدّولية المحايدة المستقلة”، وهذه الآلية تم تشكيلها مسبقًا من قبل الأمم المتحدة، للعمل على البحث القضائي لاستجلاب المتورطين بالجرائم للمحاكم المختصة بشؤون التحقيق والتفتيش بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية، وبنفس الوقت عمل المركز سابقًا مع آلية التحقيق المشتركة، كما عمل المركز مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية وفريق تقصي الحقائق، ومازال المركز يعمل على تسليم أدلة عن ضربات سابقة لم يتم التحقيق فيها مثل حلب وبعض مناطق في أرياف إدلب.
خطوة لتذكير المجتمع الدولي بالضحايا
وبحسب مصادر إعلامية، فإن الغرب عمل على منح المنظمة الصلاحيات الجديدة بعد سلسلة من الهجمات الكيميائية في سوريا، إضافة إلى هجوم بغاز الأعصاب على الجاسوس الروسي المزدوج السابق “سيرغي سكريبال” في مدينة سالزبري البريطانية في آذار/مارس الماضي.
ووفق المصادر ذاتها، تعارض كل من روسيا وإيران بشدة تعزيز صلاحيات المنظمة، وتقولان إنها تمثل مجازفة غير مسبوقة بالتمادي في “تسييس” قراراتها وانتقائيتها لصالح أطراف على حساب آخرين.
بدوره، قلل العقيد الركن “مصطفى الفرحات” من أهمية أي دور لتلك للجنة الجديدة في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، باستثناء أنها خطوة تذكر المجتمع الدولي والمنظمات الدولية، بأن هناك أناس هم بشر قضوا بهذا السلاح المحرم دولياً، وهؤلاء الضحايا جلّهم من الأطفال الذين تكون مقاومتهم لهذا النوع من السلاح هي الأضعف.
وقال لـ SY24، “لا أعتقد أن أية لجنة مهما كانت، هي قادرة على فعل شيء مع المجرمين طالما أن هناك الفيتو الروسي يحميهم وهذا حدث مرارًا وتكرارًا، وبالتالي فإن أي لجنة لا يكون عملها مستند إلى إرادة دولية لمحاسبة المجرمين وحصرًا تحت الفصل السابع فهي لن تخدم الشعب السوري بأكثر من التذكير بمأساتهم، والشواهد ماتزال ماثلة أمام أعيننا مع استمرار الاجرام بحق هذا الشعب المسكين الذي يدفع فاتورة تصفية حسابات دولية على ارضه ومن دمه منذ 8 سنوات”.
وأضاف، أنه “ومع كل اللجان التي وصلت إلى سوريا لم تستطع فعل أي شيء من لجنة الدابي، إلى لجنة كوفي أنان، والأخضر الإبراهيمي، ثم دي مستورا، ثم نقل عهدة الملف السوري إلى لجنة أممية جديدة مع استقالة دي مستورا الحالية، فكل ذلك يشي بأن لا شيء يعول عليه كثيرا في هذه الظروف”.
معطى سياسي جديد لا يخدم القضية الرئيسة
ويرى العقيد الركن ” فرحات” أن الشيء المختلف مع اللجنة الجديدة هو “معطى سياسي” جديد، وليس تحقيق مهني قانوني يخدم القضية الأساس، مبينًا أن “هذا المعطى السياسي ترتفع نبرته تارةً وتخبو تارةً أخرى بحسب مصالح الفرقاء الدوليين الكبار وحتى الإقليميين الذين يتنافسون على النفوذ على حساب السوريين، وكل طرف يسعى نحو إشهار ما لديه من أوراق إدانة ضد الطرف الآخر في الزمان والمكان الذي تقتضيه مصلحته، أكثر ما تقتضيه مصلحة اظهار الحقيقة ومحاسبة الجناة”.
وتابع قائلًا: “لو رصدنا تصريحات القادة إياهم لتأكدنا من صحة ما نرمي إليه، فعلى سبيل المثال لا الحصر في أعقاب استخدام النظام للسلاح الكيماوي في خان شيخون، وعندما أشارت أصابع الاتهام الدولية إلى النظام، سارعت الخارجية الروسية حينها للقول إن استفزازات الكيماوي الامريكية موجهة ضد روسيا، و أيضًا “بوتين” قال آنذاك :نحن واثقون أن الأسد لم يستخدم السلاح الكيماوي وهذه معلومات كاذبة واستفزاز، بدورها “طهران” قالت آنذاك إن حديث واشنطن عن الكيماوي في سوريا هو لعب في النار، أما البنتاغون الأمريكي فقال رصدنا نشاطًا في “مطار الشعيرات السوري” يوحي باستعدادات لاستخدام أسلحة كيماوية، وكان قد وضع الأوروبيون والأمريكيون استخدام النظام للسلاح الكيماوي على لائحة الخطوط الحمراء”.
واعتبر “فرحات” أن “صلاحيات هذا الفريق غير واضحة المعالم طالما المحققين الذين سبقوهم لم يكن لديهم صلاحية تحديد الجهة التي استخدمت الكيماوي، وكانت مهمتهم تقتصر فقط على تحديد ما إذا تم الاستخدام أم لا”.
وختم حديثه بالقول: “في النهاية هي لجنة تحقيق وليست جهة محاسبة، ونحن نرجو أن تشير بوضوح إلى من ارتكب هذه الجرائم المحرمة دوليا ولا تكتفي فقط بأنه تم استخدام أم لا، لأن هذا أصبح من المسلمات ولا يحتاج إلى تحديد”.