“لم يبقَ هناك شيء اسمه مخيم اليرموك كي نعود إليه .. لقد دمر نظام الأسد كل شيء فيه”.. بهذه الكلمات نقل اللاجئ الفلسطيني السوري “محمد الفلسطيني” واقع الحال في تلك المنطقة التي سيطر عليها نظام الأسد وداعميه بعد حملة عسكرية عنيفة، الأمر الذي تسبب بتهجير مئات العائلات الفلسطينية من هذا المخيم باتجاه الشمال السوري.
وعلى الرغم من إعلان نائب وزير الخارجية والمغتربين في حكومة النظام “فيصل المقداد”، بأن بلاده قررت رسمياً عودة جميع سكان مخيم اليرموك إليه، وأن “حكومة النظام لا تضع أيّ مانع في عودة الفلسطينيين وهناك خطة لتنظيم عودة اللاجئين جميعاً”، إلا أن سكان تلك المناطق يرفضون العودة إلى منازلهم التي هجروا منها قسرا، الأمر الذي يثير العديد من التساؤلات حول الأسباب التي تمنع فلسطيني سوريا المهجرين من مخيم اليرموك من العودة إليه.
1200 عائلة فلسطينية في مخيمات الشمال السوري:
وتعيش عدد من العائلات الفلسطينية السورية النازحة والمهجّرة من مخيم “اليرموك” جنوب العاصمة دمشق، في مخيمات النزوح في الداخل السوري وتحديدا في مخيمات الشمال العشوائية، وسط أوضاع معيشية مزرية بسبب عدم تأمين الخدمات الأساسية وتأهيل البنى التحتية في تلك المخيمات.
وقال “محمد الفلسطيني” لـ SY24، إن “غالبية العائلات الفلسطينية السورية المهجرة من مخيم اليرموك والبالغ عددها نحو 1200 عائلة، تعيش في مخيمات (الشبيبة، ودير بلوط، والمحمدية) في الشمال السوري، تعاني أوضاعًا مأساوية في ظل ندرة مواد التدفئة والمواد الغذائية و مواد النظافة.
وأشار “الفلسطيني” إلى أن “مطلب تلك العائلات الرئيسي هو توفير اللجوء الآمن باتجاه أوروبا وتركيا، أو أي بلد آخر تؤمن حقوق الطفل والمرأة وكبار السن”، مؤكدًا في الوقت ذاته على إصرارهم على حق العودة إلى فلسطين موطنهم الأصلي.
وفي ردّ منه على تصريحات “المقداد” بخصوص عودة مهجري مخيم اليرموك إليه قال “الفلسطيني”: إن “أهالي المخيم لن يعودوا إليه كون المنطقة أصبحت تحت سيطرة النظام، ولم يبقَ هناك شيئ اسمه مخيم اليرموك بعد أن تم تدميره وتدمير البنى التحتية فيه من قبل النظام، وبالمقابل لم يعد هناك مساكن يعود إليها من خرج المخيم ليسكن فيها من جديد”.
وأكد، أن “من سيفكر بالعودة إلى مخيم اليرموك فسوف يتحمل الكثير من المآسي التي تحملوها أثناء القصف على المخيم وسيطرة النظام عليه، وسيكون هناك حملة اعتقالات قوية بحق اللاجئين الفلسطينيين، كونه يتم النظر إلى من خرج باتجاه الشمال السوري من مخيم اليرموك على أنهم بقايا تنظيم داعش”.
أكثر من 60% من مخيم اليرموك مدمر:
وكانت قوات النظام المدعومة بغطاء جوي روسي، قد سيطرت في أيار/مايو الماضي من هذا العام على مخيم اليرموك ومنطقة الحجر الأسود جنوب العاصمة، وتم تهجير سكان تلك المناطق قسرًا باتجاه الشمال السوري، عقب اتفاق تم مابين النظام وتنظيم داعش، بحسب مصادر محلية إعلامية.
وفي هذا الصدد قال الناشط الإعلامي “رامي السيد” وهو أحد المهجرين من جنوب دمشق باتجاه الشمال السوري، إن “نظام الأسد تسبب بدمار أكثر من 60% من مخيم اليرموك بشكل كامل ودمر ماتبقى بشكل جزئي، وبات عدد المنازل الصالحة للسكن قليلة جدًا بعد أن دمر النظام البنى التحتية أيضًا”.
وتابع قائلًا: إن “قسمًا كبيرًا من الذين كانوا في جنوب العاصمة وتم تهجيرهم لم يعد لهم منازل كي يعودوا للسكن فيها، وهذا سبب من أسباب التهجير”.
أمّا السبب الثاني، بحسب “السيد”، هو طريقة تعامل نظام السوري مع فلسطيني سوريا، حيث لم يكن هناك أي تفريق بالمعاملة من حيث العنف والحصار والتجويع والمشاركة في قتل المدنيين المتواجدين في هذه المنطقة، ولم يكن لدى النظام أي تفرقة بالاجرام تجاه هؤلاء الناس، لذلك فإن أغلب الأهالي خرجوا ولم يتبقى لهم شيء.
لا ضمانات لمن يريد العودة للمخيم:
وحول الأسباب الأخرى التي تمنع الناس من العودة إلى مخيم اليرموك، أضاف “السيد”، أن “إجرام النظام مع الناس التي بقيت استمر خاصة فيما يتعلق باعتقال العشرات منهم مع العلم أنهم تمت تسوية أوضاعهم وبقيوا في المنطقة، إلا أن النظام عاد وقام باعتقالهم، وتم في الفترة الأخيرة اعتقال العديد من سكان المخيم بتهم كيدية”.
واعتبر أنه لا يوجد أي ضمانات لحياة أي شخص يريد العودة إلى مخيم اليرموك، كون النظام لا عهد له، ومايجري في مناطق المصالحات أكبر دليل على ذلك في ظل الانتهاكات المرتكبة بحق المدنيين هناك.
وتطرق “السيد” في حديثه إلى أوضاع المهجرين في الشمال السوري وقال: إن “المهجرين يعيشون ظروفًا معيشية صعبة في مخيمات غير مجهزة بشكل صالح للسكن، وسط أوضاع مزرية ونقص في الوقود وشح بمياه الشرب والمساعدات الاغاثية”.
ولفت الانتباه، إلى أن اللاجئين الفلسطينين السوريين القاطنين في مخيمات النزوح في “دير بلوط والمحمدية”، ينفذون اعتصامات ووقفات احتجاجية منذ نحو شهرين، مطالبين بضرورة إخراجهم من المخيمات وإيوائهم بأي دولة تمنحهم حق اللجوء بعد أن خسروا كل شيء.
وأضاف، أن المهجريين الفلسطينين يطالبون السلطة الفلسطينية والأمم المتحدة و منظمة “الأونروا” بتحمل مسؤولياتها وأن تساهم بايجاد حل عاجل لهم، مبينًا أنه ورغم كل تلك المناشدات إلا أنها حتى الأن لم تلقَ أيّ استجابة لأيٍّ من مطالبهم وسط وعود من الحكومة التركية بتحسين أوضاع المخيمات فقط لاغير.
الاعتقال بانتظار من يريد العودة للمخيم:
وذكرت “مجموعة العمل من أجل فلسطيني سوريا” نقلًا عن مصادر خاصة لها -وهي منظمة توثق الانتهاكات المرتكبة بحق اللاجئين الفلسطينيين السوريين على مختلف الأصعدة- عبر موقعها على الإنترنت، يوم الجمعة، أن “قوات أمن النظام اعتقلت عدداً من اللاجئين الفلسطينيين بعد عودتهم الطوعية من إحدى الدول الأوروبية إلى سورية”.
وبعد عودتهم من أوروبا إلى دمشق عبر إيران، سلّم أمن النظام في مطار دمشق تبليغات لهم بضرورة مراجعة ما يسمى “فرع فلسطين” في دمشق خلال مدة محددة، وأضافت تلك المصادر أنه “بعد مراجعة “فرع فلسطين تم اعتقالهم ولا يوجد معلومات عن مصيرهم، أو التهم الموجهة لهم، علماً أنّ المعتقلون لم يشاركوا مع أي طرف في أحداث الحرب السورية”.
وفي هذا السياق قال الصحفي والناشط في الشأن الفلسطيني “عمر القيصر” لـ SY24، إن “تصريحات المقداد فيما يخص عودة اللاجئين والمهجرين إلى مخيم اليرموك ما هي إلا عبارة عن صفقة فقط لجلب أموال دولية وأموال منظمة الأونروا خاصة، كما تساءل كيف يتم إعلان عودة اللاجئين الفلسطينيين تحت الاعتقال، علمًا بأن اللاجئين هربوا منذ البداية دون الانحياز لأي طرف.
وأضاف، “بالنسبة للمهجرين إلى الشمال فمن المستحيل عودتهم لأن التهديدات طالتهم قبل الهجرة من فصائل فلسطينية موالية للنظام بسبب بقائهم في المخيم، في وقت تم اللعب على إخلاء المخيم بضغط فصيل القيادة العامة بقيادة (أحمد جبريل) فاتهموا بأنهم حاضنة ومنهم من له أخ وابن مقاتل في صفوف المعارضة”، مؤكدًا في الوقت ذاته أنه وفي حال عودتهم فالاعتقال بانتظارهم.
وحمّل “القيصر” مسؤولية ما يمر به فلسطينيو سوريا اللاجئين والمهجرين للسلطة الفلسطينية ومنظمة “الأونروا” وقال: نحمل المسؤولية للسلطة الفلسطينية أولاً ومنظمة “الأونروا” ثانيًا المتهمة بالتقصير، والتي كانت توزع سلل غذائية على أبواب مخيم اليرموك، برعاية شبيحة النظام والفصائل الموالية وتم اعتقال عدد من الشباب والشابات أمامهم وضرب المسنين حينها.
وأشار في حديثه، إلى أن “الحل المطلوب نقلهم من المخيمات باتجاه أوربا، وهذا مطلبهم إن لم تستطع الدول إعادتهم لفلسطين وهذا مطلبهم الأول”.