تفيد الأنباء الواردة من العاصمة “دمشق”، أنه بات بإمكان الفقراء دفن مواتهم في مقبرة “نجها” بريف دمشق، وذلك بعد إحضارهم ورقة “إثبات فقر”.
ونقلت صحيفة “تشرين” التابعة للنظام السوري عن مدير مكتب دفن الموتى قوله: إنه أصبح بإمكان المواطن الفقير الحصول على قبر مجاني في مقبرة “نجها” في حال إحضار ورقة من المختار تثبت فقره.
وقال “محمد حمامية” مدير مكتب الدفن خلال اجتماع لمجلس محافظة دمشق، في (11 كانون الثاني/يناير) الماضي، إن “رسوم دفن الوفية مع وجود القبر حوالي 35 ألف ليرة وفي حال عدم وجود قبر يتم تخصيص الوفية بقبر في مقبرة نجها بتكلفة من 60 إلى 70 ألف ليرة” بحسب صحيفة تشرين.
الانتظار عدة أشهر لدفن الميت
“أحلام الشامية” من سكان العاصمة دمشق قالت في حديثها لـ SY24 إنه: “صدر قرار منذ عدة أشهر يقضي بمنح المدنيين قبورًا مجانيةً في منطقة “نجها”، وذلك بشرط تقديم ورقة تسمى “فقر حال” والتي تصدر عن طريق مختار الحي، إلا أنه يجب على أهل المتوفي الانتظار فترة شهرين كحد أدنى أو تقديم واسطة من الحكومة لتسهيل الأمور الإدارية”.
وأضافت، أنه من الممكن أن يدفع أهل المتوفي مبلغاً من المال وقدره “أربعون ألف ليرة سورية” ولكن بشرط أن يعيد أهل المتوفي القبر لحكومة النظام، والأهم من ذلك أن على الأهل أو الأقارب أن ينتظروا كل هذه المدة قبل الدفن والمتوفي يرقد بأحد البيوت لأن المشافي في المدينة لا تستقبل الجثة لأكثر من أربع وعشرين ساعة.
وذكرت “أحلام” أن قوات النظام تمنع الجنازة خلف الميت، وأن من يقوم بدفن الميت في مقبرة “نجها” شخصان من الأجهزة الأمنية والحانوتي وشخص من المقربين الذي يتم تفيشه قبل أي إجراء لدفن الميت.
موافقة أمنية للدفن
وروت “أحلام” الظروف التي واجهتهم حينما توفيت والدتها قبل عدة أيام، مؤكدةً أن من قام بدفن والدتها في مقبرة “نجها” هو ابن عمها كونه تمكن من الحصول على موافقة أمنية لذلك، في حين لم يسمح لصهرها وابن خالها القيام بإجراءات الدفن.
وأشارت إلى أن قوات النظام لا تسمح بدخول أي شخص عليه “إشكاليات أمنية”، بحسب أحلام إلى مقبرة نجها، وبالتالي لا يجب أن يكون الشخص بعمر “الاحتياط أو الجيش”.
وبلغ سعر القبر الذي دفنت فيه والدة “أحلام” في مقبرة “نجها” 86 ألف ليرة سورية، مشيرة إلى أنه بإمكانهم تقديم ورقة “فقر حال”، وحينها يتمكنون من استرداد مبلغ وقدره أربعون ألف ليرة سورية.
“مِنّةٌ” من نظام قتل شعبه
المحامي “غزوان قرنفل” رئيس تجمع المحامين السوريين الأحرار قال في تصريح لـ SY24: “بالتأكيد ينظر الكثير من المصفقين لسلطة العصابة، لهذا الأمر كإحدى المكرمات التي تجود بها قيادتهم على الشعب، في حين أن أبسط ما يمكن قوله إن سلطة أفنت مليونًا من شباب البلد دون أن يرفّ لها جفن؛ حري بها أن تكون ماثلة أمام محكمة الجنايات الدولية”.
وأضاف، أنه من المؤسف أن المواطن الذي حُرم من أبسط حقوقه في الرعاية الاجتماعية والصحية قبل الحرية، ينال اليوم بعد مغادرته الحياة حقًا بسيطًا في أن يدفن بكرامة وإجلال لا أن يُصورَ الأمرُ وكأنه “منّة” من سلطة أبدعت في قهر شعبها.
وارتفعت أسعار القبور في العاصمة دمشق إلى مستويات قياسية، ليصل متوسط سعر القبر الواحد في مقبرة “الدحداح” في منطقة شارع بغداد، إلى قرابة 3 ملايين ليرة سورية ونصف، كما تمت إضافة تلك القبور إلى قيود السجل العقاري (الطابو)، وأصبحت تباع وتشترى ويتم توريثها من قبل أفراد العائلة، في حين أن أسعارها تختلف باختلاف المنطقة التي تتواجد فيها المقبرة، بحسب مصادر محلية.
وشكّل هذا الأمر عبئًا ثقيلاً على كاهل الأشخاص الفقراء الذين لا يملكون المال لشراء القبر المرتفع تكاليفه، في حال أردوا دفن موتاهم، وحتى لو خصص مكتب دفن الموتى رسومًا رمزية لشراء القبر يبقى الفقير عاجزًا على الدفع بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وقلة الدخل.
فوق الموت عصة قبر
“فوق الموتة عصة قبر” يقول الناشط الإعلامي “رامي السيد” من جنوب العاصمة دمشق، مبينًا بأن هذا المثل يلخص حال الوضع في دمشق.
وتابع قائلاً: “إن المصيبة لا تكون لدى أهالي دمشق ولا سيما النازحين من محيطها في المتوفى لديهم، بل تكمن في كيفية تأمين قبر له وكيفية توفير تكاليفه الباهظة، التي تبدأ من 300 ألف ليرة سورية لتصل إلى نحو مليوني ليرة سورية، عداك عن تكاليف أخرى من كفن ونقل وغيرها من النفقات”.
وأشار “السيد” إلى أنه وبسبب كل تلك التكاليف أحجم كثيرون حتى عن إقامة “عزاء” بسبب الفقر، حيث يلجأ غالبية الناس إلى الدفن في مقبرة “نجها” بريف دمشق كونها تعتبر المدفن الأرخص، إلا أنه ورغم ذلك لا يستطيع كثيرون تحمل هذه النفقة، ويلجؤون حتى في دفن ميتهم إلى دفع رشاوي.
سماسرة وسوق سوداء للدفن
وأضاف، بأن “دفن الموتى” أصبح له سوقاً سوداء وسماسرة، ما يقلل التكاليف على أهل المتوفى، ويبعد عنهم مخاطر من الممكن أن يتعرضوا لها في حال استخراج بعض الأوراق الرسمية للدفن.
وأشار السيد إلى أن ملف دفن الموتى في دمشق وريفها لا يتسع شرحه ببضعة سطور، بل هو بحد ذاته موت آخر، وأضاف أنه لربما فكرت في يوم من الأيام أن تستأجر شقة أو محلا تجاريًا، لكن أظن أنك لن تفكر في أنه بيوم من الأيام سوف تستأجر قبراً.
ولفت إلى أن القرار الجديد الصادر عن “مكتب دفن الموتى” ربما يخفف من “عصة القبر” ولكن في ظل الفساد المستشري فإنها “ستكون موت وعصة قبر أخرى لأهل الميت” على حد وصفه.