ما يزال مسلسل شكاوى الفنانين والإعلاميين العاملين لدى النظام السوري من الأزمة الاقتصادية والمعيشية في سوريا حديث الشارع، إلى جانب الأحاديث اليومية عن “الغاز والماء والكهرباء والأسعار”.
إلا أن حلقات هذا المسلسل بدأت تتجه نحو الإثارة والتشويق، خاصة فيما يتعلق بظهور شخصيات جديدة في هذا المسلسل تحاول قمع حتى الأصوات الموالية للنظام وتمنعها من حرية الرأي والتعبير وحتى نقد الحالة المعيشية المتردية في البلد.
ومن تلك الشخصيات، الممثل “زهير عبد الكريم” الذي عرف مؤخرًا بولائه الأعمى لرأس النظام بشار الأسد، يضاف إليه عضو مجلس الشعب التابع للنظام “خالد العبود”، اللذان شنا هجومًا واسعًا على فنانين وإعلاميين اشتكوا لبشار الأسد سوء الأوضاع المعيشية وغياب مواد المحروقات وحليب الأطفال، متهمينهم بأنهم عملاء للخارج يقبضون ألاف الدولارات لحرف بوصلة المسؤولية باتجاه رأس النظام بشار الأسد، على حد وصفهم.
وقال “زهير عبد الكريم” عبر صفحته الشخصية على موقع “فيسبوك: لا أحد أكبر من البلد، لم نبتز البلد ولم نسرق البلد ولم نلعن ظلام الكهرباء ولكن أشعلنا شموع، ولم نخرج عن طورنا لأننا لم نجد جرة الغاز بل حولناها لطاقة عابرة مع جيشنا من أجل أن يبقى الوطن شامخ ومنتصر وعالي، وأؤكد لا يوجد أحد أكبر من البلد وعلى الجميع الانحناء لشروطها.
وخاطب “عبد الكريم” هؤلاء المشتكين قائلاً: أين كنتم حينما عطشت الشام مدة 45 يوم ولم نسمع منكم أي صوت؟ أين كنتم حينما كان الظلام يعم كل سوريا؟ ولم أسمع أي أحد منكم أدان التفجيرات التي كانت تحصل في قلب دمشق بغض النظر من الذي يقف وراء التفجير، وأضاف: الأن أصبحتم تتكلمون عن الظلام والغاز، متهماً إياهم بقبض ألاف الدولارات من الخارج من أجل التكلم ضد البلد، وأنهم يقومون بمزايدات وطنية والآن يأتون ليقولوا “سيدي الرئيس”.
في حين كتب النائب وأمين سر مجلس الشعب التابع للنظام “خالد العبود” على صفحته الشخصية: “هل من المعقول أن تجتمع هذه الاحتياجات في لحظة واحدة بعينها، ثم نغيب تماماً عن صرخات المواطنين، وكأنّ شيئاً لا يعنينا، حتى يقوم البعض بحرف بوصلة المسؤولية باتجاه مقام الرئاسة مخاطباً السيد رئيس الجمهورية، مطالباً إيّاه بأسطوانة الغاز ومخصصاته من المازوت والبنزين وتقنين الكهرباء المربِك، هل من المعقول؟” معتبرًا أن بشار الأسد أكبر من أن نناديه من أجل جرة غاز أو مازوت.
أبواق مأجورة لأجهزة النظام الأمنية
وسخر كثيرون من تلك الرسائل التي وجهها كل من “عبد الكريم والعبود” بحق الفنانين والإعلاميين الموالين للنظام، معتبرين أنهم يحاولون ممارسة دورهم المطلوب منهم خلال هذا المسلسل وهو تلميع صورة رأس النظام بشار الأسد.
المحلل السياسي “سامر خليوي” وفي تعليق منه على تلك التطورات وما تفوه به الممثل زهير عبد الكريم وعضو مجلس الشعب خالد العبود، رأى أنه لا يوجد في سوريا اَي مساحة من الحرية يمكن أن تتيح للمواطن أن يعبر بها عن رأيه بحرية إلا الآراء التي تتغنى بالأسد، أما الأصوات التي تنتقد الوضع بسوريا بشكل عام فهي تابعة وموجهة من الأجهزة الأمنية التي توصل الرسائل التي تريدها من خلال هذه الأبواق المأجورة.
وتابع في حديثه لسوريا 24، قائلاً: إن النظام يستفيد دائماً من الأزمات الحقيقية أو التي يفتعلها ليظهر نفسه أنه الملجأ الأخير والمنقذ للشعب والملبي لطلباته، معربًا عن اعتقاده بأن الأوضاع لن تتطور للأسوأ أكثر وستكون تحت السيطرة، لأن النظام يعرف طبيعة هؤلاء المتذمرين الذين تذمروا من أجل “جرة غاز” ولَم يتذمروا ويشاركوا بالاحتجاج مع الثورة ضد المسبب الرئيسي لكل ويلات ومصائب البلد الأسد المجرم، من أجل حريتهم وكرامتهم وحقوقهم التي سلبها ولا يزال هذا النظام الديكتاتوري المجرم.
تمثيلية لحث المجتمع الدولي على رفع العقوبات:
وكان رئيس مجلس الشعب التابع للنظام “حمودة الصباغ” عزا أزمات الغاز والمازوت إلى “الفيس بوك” والحصار الاقتصادي وقال: الحملات الإلكترونية اشتدت علينا عبر الفيسبوك ومشتقات التواصل الاجتماعي والتي يدار غالبها من الخارج، وللأسف يقع في حبائلها بعض من في الداخل سواء من قصد أو غير قصد، فيروجون لها ويعملون على انتشارها مع كل ما يحمله ذلك من بلبلة في صفوف الرأي العام، مطالبًا ممثلي الشعب أن يكونوا أكثر فهما لمطالب الفتن ومن يديرها.
“أيمن دسوقي” الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، رأى أن الأزمات الخدمية والمعيشية أثارت الرأي العام في مناطق سيطرة النظام، وانقسمت الشخصيات العامة من ممثلين ومثقفين وغيرهم حيال التعاطي مع هذا الوضع، بين منتقد لأداء الحكومة ومطالباً الرئيس بالتدخل، وآخرين مدافعين عن الحكومة ومطالبين بعدم زج موقع الرئاسة بهذه المهاترات.
وأضاف لـ “سوريا 24″، أن الأمر لا يعدوا مجرد تمثيلية متفق عليها بغرض توظيفها سياسياً وإعلامياً سواءً بإظهار توفر مناخ من حرية الرأي في مناطق سيطرة النظام، كذلك استثمارها إعلامياً وسياسياً لتسليط الضوء على العقوبات وحث المجتمع الدولي على رفعها، والأهم مما سبق تهيئة الرأي العام المؤيد لتغيرات عميقة في بنية الدولة ومؤسساتها، سيعمل عليها النظام وبدفع من حلفائه في الفترة المقبلة تحت ستار “تصحيح المسار وتصويب الأداء ومكافحة الفاسدين”.
شكاوى الموالين هدفها تعزيز الأسد:
وأعرب “دسوقي” عن عدم اعتقاده من أن الأمور ستتطور إلى معاقبة الفنانين والفنانات المطالبين بالأسد بالتدخل لمعالجة الأزمات الخدمية، وقال: هؤلاء لم يتعرضوا لموقع الرئاسة بالانتقاد ولم يحملوا بشار الأسد المسؤولية عن الوضع المتردي، بالعكس فإن رسائل هؤلاء موجهة لتعزيز مقام الرئاسة وشخص بشار الأسد بأنه المنقذ والحامي لسورية، وهو ما يعززه النظام من خلال المراسيم والتشريعات التي سوف تصدر في الفترة المقبلة.
وفي ردّ منه على سؤال فيما إذا كان نظام الأسد قادرًا على امتصاص تلك الأزمات الاقتصادية التي بدأت تثير الحاضنة الشعبية للأسد قال “دسوقي”: يفتقد النظام الآليات والموارد التي تمكنه من المعالجة الجذرية للأزمات، كما أنه لا يريد لهذه الأزمات أن تنتهي، حيث أجاد سياسة خلق الأزمات واستثمارها، ومن المتوقع أن يلجأ النظام إلى تنفيس هذه الأزمات والتقليل من حدتها دون معالجتها كلياً وفق مبدأ الأولوية والحاجة.
وكانت الأسابيع القليلة الماضية، شهدت موجة من الاحتجاجات والرسائل الموجهة لرأس النظام بشار الأسد من فنانين وإعلاميين مشهورين ومحسوبين على تلك الماكينات التابعة له، يشتكون له سوء الأوضاع المعيشية وفقدان المازوت والغاز وحليب الأطفال وغيرها من الأمور المعيشية الأخرى.