أصدرت “رابطة الشبكات السورية”، قبل عدة أيام، بيانا موقعا من 173 منظمة إنسانية واغاثية وطبية سورية عاملة في الشمال السوري، حول التحديات والمخاطر التي يواجهها العمل الإنساني وأهمية استمراره في شمال غرب سوريا.
وطالبت المنظمات في بيانها، الذي اطلع عليه موقع SY24جميع الجهات العسكرية والسياسية لتحييد العمل الإنساني كمؤسسات وخاصة المديريات والمجالس الخدمية والعاملين فيها، عن أي تجاذبات عسكرية أو سياسية في المنطقة وإن أي تدخل في سير العملية الإنسانية سيجعل هذه الجهات المسؤول الأول عن انقطاع العمل الإنساني، والنتائج الكارثية الناتجة عنها التي لا يمكن أن يتحملها أحد.
كما طالبت المنظمات الموقعة على البيان، وكالات الأمم المتحدة المعنية بالاستجابة الإنسانية عامة ومكتب تنسيق الشؤون الإنسانية خاصة، للعمل مع كل الجهات العسكرية والسياسية ومع الدول الراعية للعمل الإنساني لضمان استمرار العملية الإنسانية وتأمين المساعدات اللازمة ألأي استجابة طارئة، وتحييد المؤسسات الإنسانية من منظمات ومديريات وبنى محلية عن أي صراع، وتجنيب المنطقة أي تصعيد عسكري يدفع ضريبته المدنيين وحدهم وخاصة المهجرين وغيرهم من الفئات المستضعفة في سوريا.
ووجهت المنظمات بيانها، إلى جميع الدول أصحاب النفوذ في المنطقة وخاصة مجموعة اسطنبول والدول الراعية لاتفاقيات خفض التصعيد واتفاقية المنطقة العازلة، للقيام بكل الجهود اللازمة لاحتواء الصراع المحتدم على السيطرة على شمال غرب سوريا عبر الجهود السياسية.
وحثت رابطة الشبكات السورية في بيانها، المبعوث الخاص للأمم المتحدة لسوريا لبذل كل الجهود الممكنة لتمكين الحلول السياسية المنصفة على حساب أي حلول عسكرية ووضع استمرار العملية الإنسانية وحماية المدنيين والعاملين الإنسانيين كأولويات غير قابلة للتفاوض.
تحذيرات من كارثة انسانية
وذكر البيان، أن استمرار التحديات يوما بعد يوم، يجعل هذه المؤسسات أكثر إصرارا على الاستمرار في العمل وتطوير آليات المراقبة لضمان سير العملية الإنسانية، حيث واجهنا خلال الأشهر الماضية عدة قرارات من المانحين لتقييد أو إيقاف المنح الإنسانية، عدا عن ازدياد هذه العقبات خلال الأيام العشرة الماضية، إلا أن المنظمات ماتزال تعمل على تحسين ظروف العمل لكي تصل المساعدات مستحقيها رغم هذه القيود والقرارات.
وحول أبرز المخاوف التي تنتاب جميع المنظمات الموقعة على البيان أوضح منسق تحالف المنظمات السورية غير الحكومية “حسام الدين فاعل” في حديثه لـ SY24 أن “من أبرز المخاوف هو تأثر العمل الإنساني في شمال غرب سوريا بالتغيرات الأخيرة في القوى المسيطرة، وخاصة أن القطاع الإنساني كمؤسسات وأفراد كان عرضة لانتهاكات ممنهجة من عمليات خطف واعتقال للكوادر واقتحام لبعض المرافق، عدا عن تأثر عمل بعض المرافق الانسانية نتيجة التوتر الأمني و العسكري، سواء بسبب وصول الاشتباكات لمحيط المرافق الإنسانية أو لانقطاع الطرقات مما عرقل وصول المستفيدين لعدد كبير من المرافق لعدة أيام”.
كما أعرب “فاعل” عن خشية تلك المنظمات من كارثة إنسانية في حال توقف الدعم الإنساني، والذي هو في كثير من الحالات هو لنشاطات “إنقاذ حياة”.
وعن أبرز المخاطر التي يواجهها العمل الإنساني اليوم في الشمال السوري أشار “فاعل” إلى أن العمل الإنساني يجب أن يبقى بمعزل عن أي تجاذبات وصراعات، ويجب ألا يتم جره لتقوية طرف وإعطاء شرعية لطرف آخر.
وتابع بالقول: “يجب أن يبقى العمل الإنساني والدعم يستهدف الفئات الأقل ضعفا عبر عملية تنفيذية مسؤولة وشفافة وهو ما نسميه ” Aid diversion ” أي انحراف المساعدات، وهذا قد يؤدي إلى إيقاف المنح، وكمثال على هذا فرض بعض القوى أو اصحاب النفوذ والسلطة على المنظمة الإنسانية قسم من المساعدات يوزع على طريقته، والتي هي بعيدة عن مبادئ العمل الإنساني، وبالتالي مخالفة لشروط الحصول على المنحة من الجهة الداعمة والتي هي مساءلة أمام حكوماتها وبرلماناتها”.
وحذر “فاعل” في سياق حديثه من مغبة التدخل في العمل الإنساني من قبل بعض الأطراف والجهات وقال: إن “التدخل في عمل المنظمات الإنسانية هو أمر خطير ومقلق للغاية، ويهدد العملية الإنسانية بشكل كامل”.
وفيما يتعلق بأهمية استمرار العمل الإنساني في تلك المنطقة أوضح “فاعل”، أن هناك احتياج إنساني كبير للغاية في الشمال الغربي لسوريا، هناك قطاع صحي يعتمد بشكل شبه كلي على المساعدات الخارجية، وكذلك المياه والنظافة والصرف الصحي، والتعليم، وهناك أيضا المخيمات، كما أن هناك ملايين يعتمدون في الحصول على الحد الأدنى من الخدمات الأساسية على المساعدات الإنسانية الخارجية.
وقال في ذات السياق: نحن نتحدث عن نشاطات انقاذ حياة، فتوقف مشاريع توزيع احتياجات الشتاء قد يؤدي إلى وفيات بين كبار وصغار السن مثلاً، وكل الفئات الأكثر ضعفاً وهشاشة معرضة لمخاطر كبيرة من ناحية حماية كرامتها الإنسانية وحتى الحفاظ على حياتها.
وفي ظل المخاوف من توقف عمل المنظمات الاغاثية في الشمال السوري، أعلن مجلس محافظة إدلب الحرة في بيان له، قبل أيام، عن استعداده لضمان تنسيق العمل الإغاثي واستمراره في المنطقة مع مختلف الجهات المانحة والمنظمات الإغاثية.
وعن مدى التنسيق فيما بين تلك المنظمات الإغاثية الموقعة على البيان وبين مجلس محافظة إدلب الحرة قال منسق تحالف المنظمات السورية غير الحكومية: “لقد اطلعت على البيان، البيان فيه تحذيرات حقيقية، فالأمر خطير ويجب العمل على حل له”.
وأضاف، “نحن كتحالف نعمل مع المانحين ومكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الإنسانية، على إيجاد حلول وليس لنا تواصل أو تنسيق مع المجلس”.
وفي رد منه على سؤال حول ما هو المتوقع بعد إصدار هذا البيان وماهي الحلول البديلة في حال لم يكن هناك استجابة من الأطراف الفاعلة في الملف الاغاثي والإنساني أجاب “فاعل”: نريد من البيان أن نسلط الضوء على كارثة إنسانية قد تحصل في حال تجاهل هذه النداءات، وعن الحلول نحن نناقش عدة حلول حالياً منها ما هو عملياتي على الأرض ومنها ما هو مرتبط بالمانحين وبالشركاء الدوليين، ولكن ما هو أهم أن نبقى نعمل على المناصرة والمدافعة لهذه القضية”.
توقف المانحين عن الدعم خشية وصوله للهيئة وحكومة الانقاذ
وشددّت المنظمات الموقعة في بيانها، على أن أي تغيير في السيطرة العسكرية وأي عمليات عسكرية تحدث في المنطقة، وبغض النظر عن الجهة العسكرية التي تسيطر، يجب أن يأخذ بعين الاعتبار وبشكل كامل الحفاظ على حيادية العمل الإنساني، وعدم تدخل أي سلطات عسكرية أو سياسية في سير هذا العمل وفي المؤسسات والأفراد القائمين على إدارته.
وتعليقا منه على البيان، قال الدكتور “مازن كوارة” المدير الإقليمي لمنظمة “سامز” في تركيا متحدثاً لـ SY24: “شاركنا في هذا البيان بسبب تخوفنا الشديد من ردة فعل المجتمع الإنساني الدولي والمانحين الدوليين على سيطرة هيئة تحرير الشام وحكومة الإنقاذ على معظم المناطق في شمال غرب سوريا”.
وأضاف كوارة: “استشعرنا الخطر وأصدرنا هذا البيان واستهدفنا فيه المانحين الدوليين والأمم المتحدة وأيضا الدول المؤثرة على أطراف الصراع كافة والفصائل وأهمها هيئة تحرير الشام حاليا، وكان هذا البيان بطلباته الواضحة بيان يعبر عن نبض المنظمات الإنسانية السورية”.
وأعرب “كوارة” عن أسفه الشديد، كون التأثيرات السلبية بدأت تظهر نتيجة سيطرة الهيئة بإعلان الحكومة الألمانية وقف تمويل مشاريع الاستقرار في شمال غرب سوريا، وتبعها تعليق الحكومة الفرنسية أيضا تمويل لجميع المشاريع في شمال غرب سوريا، ومشاريع الاستقرار والمشاريع الإنسانية أيضا.
ولفت الانتباه، إلى أن المنظمات الإنسانية العاملة في الشمال السوري اليوم أمام موجة من توقف المانحين عن الدعم خشية من وصول هذا التمويل بشكل من الاشكال الى هيئة تحرير الشام أو حكومة الإنقاذ، مطالبا المعنيين في شمال غرب سوريا وسلطات الأمر الواقع أن تستشعر هذا الخطر وتقدم كل الضمانات للمانحين ولكل المنظمات، بأنهم لن يتدخلوا في العمل الإنساني بشكل مطلق وفي القطاعات الإنسانية والخدمية كالصحة والتعليم والجامعات، وأيضا في عمل المنظمات التي تعمل في مجال دعم الإغاثة والغذاء والمخيمات.
التأكيد على استقلالية العمل الإنساني
وأكدت المنظمات في بيانها، على أن استمرار وتعزيز الاستجابة الإنسانية وتقوية بنى الحكم المحلي وخاصة مديريات الصحة والتعليم وغيرها من بنى الحكم المحلي، وحمايتها وتحييدها عن أي صراع هو أمر أساسي وضروري لتجنيب ما يزيد عن 3.5 مليون إنسان في شمال غرب سورية كارثة إنسانية، قد تحدث نتيجة لعوامل سياسية وعسكرية لا حيلة لهم فيها.
” رامي موسى” مدير برنامج المجتمع المدني في منظومة وطن، احدى الجهات الموقعة على البيان: إنه وكما ذُكر في البيان فإن في الشمال السوري يوجد أكثر من 3 ملايين سوري نازح من كل مناطق سوريا، وعملية انقطاع الدعم أو توجيهه الى مناطق أخرى سوف تؤدي إلى كارثة انسانية كبيرة وربما تؤدي لهجرة العديد من الناس إلى أوروبا أو غيرها من البلدان.
وأضاف في حديثه لسوريا 24، أن البيان يركز على أهمية استمرار الدعم وتحييد العمل الانساني عن أي مشادات أو خلافات عسكرية أو مدنية، وأن يكون العمل الانساني مستقل بشكل كامل، وذلك لضمان استمرار تقديم المساعدات للمحتاجين.