أنشأت إيران العشرات من المنظّمات الخيرية والمنظّمات غير الحكومية في أجزاء عدّة من سوريا، وفقًا لتحليل أجرته SY24، كجزءٍ من حملة واسعة لبناء النفوذ، واحتكار تقديم الخدمات والمساعدات الإنسانية في المناطق التي تعتبر ذات أهمية استراتيجية بالنسبة لطهران.
ويبدو أن الجهود المبذولة لإنشاء هذه المنظّمات، التي يبلغ عددها 38 منظمةً على الأقلّ وتعمل في كلّ من حلب وحمص ودمشق ودرعا ودير الزور واللاذقية وحماة والقنيطرة، هي محاولةٌ لتمهيد الطريق لوجودٍ إيراني طويل الأجل في سوريا، من خلال هيكلة دولةٍ موازية يمكنها تقديم الخدمات والمساعدات الإنسانية بدلاً عن الحكومة السورية.
وفيما يكافح الاقتصاد السوري للتعافي، ستتنافس هذه الدولة الموازية مع مؤسسات الدولة السورية، مما يتيح لإيران أن تحظى بنفوذٍ أكبر في المجتمعات المحلية، وتضع حجر الأساس لوجود أطول فيها.
تتناقض الاستراتيجية هذه بشكلٍ صارخ مع التزام الجمهورية الإسلامية المعلن بمنع التدخّل الأجنبي في سوريا والحفاظ على مؤسسات الدولة السورية. إلا أنها تتوافق مع استراتيجية إيران المتمثّلة في بسط نفوذها من خلال دعمِ وكلائها وإضعاف سلطات الدولة المركزية.
في احتفالٍ بذكرى الثورة الإسلامية في شباط/فبراير من عام 2017، قال المستشار الثقافي الإيراني في سفارة دمشق مصطفى زنجبار إن المجتمعات المحلّية والمنظّمات المدنية “تمثّل حصنًا لإيران في مواجهة أعداء سوريا”.
تعمل المنظمات غير الحكومية الموالية لإيران بطرقٍ متعددة في أجزاء مختلفة من البلاد، وتعتمد عادةً على ما إذا كان للقوات الإيرانية والوكلاء وجودٌ مباشر على الأرض. في حلب، حيث لعبت الميليشيات الموالية لإيران دورًا رئيسيًا في الحملة العسكرية ضد المعارضة في عام 2016، قامت المنظّمات المدعومة من طهران بتقديم الخدمات في قطاعات الصحّة والطاقة والغذاء.
منظمة جهاد البناء، الجناح الخيري والاجتماعي التنموي لميليشيا حزب الله اللبنانية، أعادت تأهيل مدارس في بلدة نبّل ذات الأغلبية الشيعية في محافظة حلب، التي خضعت لحصارٍ من قبل المعارضة، كما أنها تقوم ببناء مشفى جديد فيها.
وفي دير الزور، المنطقة الشرقية من سوريا المتاخمة للعراق والتي كانت جزئياً تحت سيطرة تنظيم داعش وتعتمد بشكل كبير على الزراعة، سعت جهاد البناء إلى بناء تأثيرٍ على السكان المحليين عن طريق توفير أعلاف الحيوانات بنصف السعر، حسبما قال أحد رجال الأعمال المحليين لـ SY24.
كما سعت المنظمات غير الحكومية الموالية لإيران إلى تأسيس وجود لها في أجزاء من البلاد تم استرجاعها مؤخرًا من قبل الحكومة السورية، مثل درعا والقنيطرة، التي انسحبت منها المعارضة بعد حملة عسكرية قصيرة في صيف عام 2018.
ويُعتقد أن جمعية الزهراء، وهي إحدى المنظمات الناشطة في بلدة اليادودة، تتبع للممثّل الشخصي للزعيم الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي في سوريا.
ويبدو أن دخول إيران إلى جنوب سوريا يهدف إلى تعزيز نفوذها في المنطقة قبل عودة المدنيين الذين نزحوا منها، إلّا أنه من المحتمل أن يتسبّب ذلك بتعزيز الخلاف في المنطقة بسبب قربها من الحدود مع مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل. وقد أعربت تل أبيب مراراً عن مخاوفها من وجودٍ إيراني قريب من الحدود.
إضافةً إلى ذلك، تشهد درعا احتجاجات متكرّرة ضدّ سياسات نظام الأسد، ممّا يشير إلى أن سيطرة الحكومة على المحافظة لا تزال ضعيفة لحدٍ بعيد.
وقد حظيت طهران بنجاحٍ محدود في جهودها لبسط نفوذٍ أكبر على أجزاء من البلاد تخضع لسيطرة الميليشيات الموالية للحكومة والتي لم تسقط سابقًا في قبضة المعارضة، مثل الساحل السوري أو محافظة حماة.
تقول مصادر محلية إن المنظمات غير الحكومية الإيرانية لها تعاملٌ محدود مع الميليشيات هناك، والتي قامت في بعض الأحيان بإغلاق مكاتب التجنيد العسكري الموالية لإيران في هذه المناطق.
وتؤكد المصادر أن أنشطة المنظّمات غير الحكومية الإيرانية في هذه المناطق تقتصر على الترويج والتجارة غير المشروعة، بالإضافة إلى المساعدة العسكرية عند الحاجة لذلك.
تبدو أنشطة المنظمات غير الحكومية المؤيدة لإيران في جميع أنحاء سوريا جزءاً من استراتيجية واسعة لتثبيت وجودٍ طويل الأمد في البلاد. وتتضمن الاستراتيجية أيضاً محاولات لتنصيب شخصيات بارزة متعاطفة مع إيران في المجالس المحلية، ولعبِ دورٍ في الحفاظ على الأمن في أجزاء من البلاد لا تملك الحكومة السورية سيطرة قوية عليها.