تسبب الأوضاع الصعبة التي فرضتها الحرب السورية بفقدان وارتفاع أسعار معظم الاحتياجات الأساسية، كالتدفئة والكهرباء والإنارة والطعام، ما أضطر السوريين على استخدام أساليب قديمة للتغلب على هذه الظروف.
وبالرغم من أن السوريون يعيشون الآن في القرن الواحد والعشرين، إلا أن الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي، وصعوبة الحصول على مادة المازوت، التي يستخدمها السوريون في التدفئة وارتفاع سعر أسطوانة الغاز إلى الضعف تقريباً، أصبح لزاماً عليهم العودة لاستخدام الأدوات التي كانت معدة للزينة فقط، هرباً من برد الشتاء القارس وظلمته.
ومع قدوم فصل الشتاء الذي أدى لارتفاع أسعار المحروقات والغاز، بالإضافة لارتفاع أسعار السلع والمواد الأساسية، ازدادت معاناة أهالي منطقة الجزيرة السورية، علماً أن مناطق شمال شرق سوريا تعرف ببردها القارس وانخفاض درجات الحرارة فيها لحدٍ كبير طيلة فصل الشتاء، مما جعل الأهالي يلجؤون إلى طرق تقليدية بدائية، “كببور الكاز” لطهي الطعام، الذي يعتمد في عمله على مادة الكاز التي تعتبر رخيصة نوعاً ما مقارنة مع غيرها من المحروقات، إذ يبلغ سعر اللتر الواحد منها 250 ل.س.
السيدة “أم نورس” التي تبلغ من العمر 65 عاماً، هي إحدى ربات البيوت اللواتي عدن إلى استخدام بابور الكاز في الطهي والغسيل وتسخين المياه للاستحمام، قالت لموقع سوريا 24، “عدنا لعادات مسلسليّ (باب الحارة وأيام شامية)، فمنذ طفولتي كان ببور الكاز جزءاً من حياتنا، والآن بعد هذه السنين، وافتقار مناطقنا لأغلب أنواع المحروقات، وارتفاع أسعارها التي لا نقوى عليها، اضطررت لإنزال الببور من سقيفة منزلي، بعد نفاذ أسطوانة الغاز وليعود ليملأ البيت بصوته المرتفع”، معلقةً “الحاجة أم الاختراع”.
بدوره السيد “أصلان” قال إنه “كان يحتفظ ببور قديم مركون في مستودع محله، فأخرجه وذهب به لمنزله لاستعماله”.
وأضاف أن “من كان لا يمتلك من قبل ببوراً من جيراني، اشترى واحداً جديداً، وبسبب ظروف الحرب اضطررنا للعودة لنمط المعيشة الذي كان موجوداً قبل ثلاثة عقود”، مشيراً إلى أنه “بالرغم من قلة المحروقات والغلاء في أسعارها، يبقى الببور أفضل من استخدام الغاز والحطب في الطهي، ناهيك عن أن الحرارة التي يعطيها البابور أعلى من موقد الغاز ومن السخان الكهربائي وأسرع من الحطب لعمليات الطهي”.
وأوضح “سعيد الحسن” الذي يعمل “بوابيري”، بأن “نتيجة الانقطاع شبه الدائم للتيار الكهربائي، وغلاء سعر أسطوانة الغاز المنزلي، وعدم توفرها في الأسواق، فالإدارة الذاتية في مناطقنا تحتكر بيع الغاز لها، ويجب علينا التسجيل على جرة غاز قبل مايقارب الشهر من توزيعها، ما أجبرنا للبحث عن أدوات بديلة، لتلبية متطلباتنا الحياتية اليومية”.
وأردف، إنّ “الإقبال على شراء الببور هذه الأيام كبير، بسبب انخفاض سعر الكاز في المدينة، إضافةً لقلة أجور الصيانة في حال أصابه عطل ما، ومصروفه قليل واقتصادي مقارنة بالغاز، حيث أن ليتر الكاز الواحد في الببور يكفي العائلة الواحدة لطهي الطعام عدة أيام مع استعمالات أخرى”.
اليوم وبعد مرورِ عشرات السنين، من استبدالنا لـ “ببور” الكاز، بغازٍ إيطالي فاخر يتوسط مطابخ السوريين، نعود لعصر أجدادنا واستخداماتهم المنزلية، لكن ليس لإحياء تراثهم، إنما لقطع مرحلة معيشية صعبة تمر بحياتنا.