يصدح الصوت كعادته من بقاع الأراضي المحررة من محافظات حالها كحال درعا محررة، يقطنها الثائرين وسكانها تحوي من الثقل العسكري والبشري ما يعادل الجنوب السوري أو يزيد، إذا ما قارنا المساحة الجغرافية لدرعا أسوة بباقي المناطق كإدلب وأرياف حلب وحمص وحماة بما فيها من تعداد للمقاتلين والجيوش التي ناصرت الثورة على مر سنينها، على أن فصائل حوران قد اخلت في نصرة الغوطة الشرقية أمام الهجمة البربرية التي تتعرض لها من قبل الميليشيات الطائفية وطيران حليف النظام الروسي.
ومع تكرار النداءات التي كانت غالبيتها تحمل طابع التخوين لفصائل درعا بخذلان أهلهم متهمينها بمشاركة نظام الأسد إجرامه، نتيجة حالة الركود العسكري التي تشهده في الفترة الحالية، جعلهم متناسين الوضع الذي تعيشه المحافظة، والذي لم يكن يوماً أحسن حال من باقي المناطق المحررة.
في كل هجوم عسكري تشهده المناطق المحررة من قبل نظام الأسد تبدأ الأقلام المسمومة ادعائها في خذلان الجنوب السوري لتلك المناطق، تكون فاتحة أقوالهم أنها بوابة العاصمة الجنوبية وورقة الثورة الرابحة للضغط على نظام الأسد للتخفيف عنهم، حتى وإن كانت المنطقة المستهدفة لنظام الأسد مناطق تقبع في الشمال السوري يتوسطها في جغرافيتها جيوش وفيالق عسكرية ثورية فاقت قدرتها ما تحويه درعا من إمكانيات.
وإذا ما عدنا في الزمن قليلاً لمعارك شهدت سقوط مدن مهمة كحلب أبرز معاقل الثوار في الشمال قبل سنوات، شهدت الساحة السورية الحديث نفسه لضرورة إشعال ثوار الجنوب الجبهات عندهم لتخفيف ضغط الهجوم الذي تعرضت له حلب، فما كان من فصائل الجنوب حينها إلا أن لبت نداء واجبها مسيرة عدد من الفصائل لضرب إحدى نقاط جيش النظام في معركة المهجورة التي استمرت يومين لتنقلب حينها أقلام المستكتبين، من وراء شاشات الإنترنت عن فزعة الجنوب ونصرتها في معركة لم يكتب لها النجاح حينها، فقدت خلالها درعا أكثر من خمسين عنصراً، وتنقلب ردودهم قبل أن تجف دماء من آخر قتيل بعبارات التخوين بوهميه معاركهم.
متجاهلين حينها تزامن معركة حلب بمعركة درع الفرات القريبة من حلب، والتي ضمت آلاف المقاتلين حينها، وإن كان غالبيتهم حينها من أبناء حلب، والحديث يطول إذا ما تحدثنا عن معارك ونقاط تشابهت فيها السيناريوهات كداريا وبيت جن وحي الوعر الحمصي.
في درعا اليوم ليست فقط البندقية والمدفع والعربات ومعدات الجيوش يسكنها كما يصور لنا رواد المواقع وأبطال الشاشات، فهي كباقي المدن الثائرة التي تغص بأهلها ولاتقتصر فقط على حاملي السلاح والمقاتلين فهي كباقي المناطق يسكنها أهلها وقصفوا وتهجروا وذاقوا ويلات الحروب والمعارك خلال سنوات الحرب وما زالوا، وإذا ما سلمنا أن لدرعا خصوصية بدء الثورة ومن واجبها نصرة من انتصر لهم فهل كانت نصرتهم فقط من أجل درعا أم من أجل طلب حريتهم.
تشهد اليوم درعا القصف اليومي الذي لم يفارق معظم مدنها دون كلل أو ملل من آلة القتل الأسدية واستعداد فصائلها العمل للتخفيف عن أهل غوطة دمشق، ولو كان على حساب دماء أبنائها وسكانها وتبدأ معها حمم قذائف الأسد لمناطقها وقراها، متجاهلين ورائهم حالة خفض التصعيد الذي حدت إلى شكل كبير من حدة الموت التي كان الجنوب يعيشها وخروجهم من معركة كانوا لوحدهم حينها “الموت ولا المذلة”، والتي كللت بنصر ساحق لثوارها استمرت سبعة أشهر، بالإضافة لإجبار سكان بعض المدن اليوم إخلائها وافتراشهم العراء في سبيل أي شيء قد يكون سبيلاً في التخفيف عن من ناصرهم، متسائلين ما هو القربان الواجب تقديمه من أهل حوران ليردوا لكل ثائر خرج لنصرته.