تكمل اليوم الأربعاء 30 أيلول الجاري، روسيا عامها الخامس من تدخلها العسكري في سوريا للقتال إلى جانب رأس النظام السوري “بشار الأسد” ضد السوريين الذين طالبوا بالحرية وإسقاط النظام، مخلفة آلاف الضحايا ودمار الكثير من المنشآت الحيوية والخدمية.
ففي 30 أيلول 2015، بدأت مرحلة جديدة من عمر الثورة السورية التي سعت كل الأطراف الداعمة لـ “الأسد” وعلى رأسها روسيا لقمعها بشكل ممنهج.
وفي هذا اليوم ادعت روسيا أنها تدخلت بناء على طلب من النظام السوري، لدعم قواته في “مواجهة الإرهاب” وفق ادعاء تلك الأطراف.
ومنذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا، تغير المشهد وانقلبت الموازين رأسا على عقب بسبب العنف الممارس من قبل سلاح الجو الروسي، الذي دمر المنازل وهجر آلاف السوريين باتجاه مخيمات النزوح، والتسبب بكارثة إنسانية كبيرة بحقهم.
وباتت سوريا وباعتراف الروس، ساحة لتجريب أسلحتهم ومعداتهم العسكرية على السوريين،على مرأى ومسمع من العالم أجمع وخاصة المجتمع الدولي الذي أصبح يرضخ لأوامر روسيا التي تلوح بعصا “الفيتو” في وجه أي قرارات تدين “الأسد” أو تسعى لمحاسبته على جرائم الحرب التي ارتكبها بضوء أخضر روسي.
واحتفالا بتدخلها في سوريا، خرجت وزارة الدفاع الروسية، اليوم، لتعلن عن انتصاراتها الوهمية التي حققتها بذريعة الإرهاب، وقال وزير الدفاع الروسي “سيرغي شويغو”، حسب ما نقلت وسائل إعلام النظام وروسيا، إنه “تمت تصفية أكثر من 133 ألف إرهابي في سوريا منذ بدء مشاركة القوات الروسية في الحرب على الإرهاب في سوريا عام 2015، مضيفا أن “تنظيم داعش لم يعد موجوداً في سوريا ولم يدخل إلى روسيا إرهابي واحد”.
وتعليقا على مرور 5 سنوات على التدخل الروسي في سوريا، والذي جربت خلاله روسيا شتى أنواع الأسلحة والتي أدت لدمار المدن والبلدات والقرى في سوريا دون أي رادع، أصدر الائتلاف الوطني السوري بيانا طالب فيه المجتمع الدولي بضرورة الضغط على روسيا لوقف تدخلها في سوريا.
وجاء فيه، أنه “عند فشل كل من النظام وإيران في هزيمة ثورة الشعب السوري، وعندما بات النظام على حافة السقوط؛ أجبرت روسيا على الدخول بكامل قوتها العسكرية في 30 أيلول 2015 لتبدأ مرحلة جديدة من الإجرام الروسي ضد سوريا وأهلها، وبات وطننا حقل تجارب للأسلحة الروسية، أكثر من 65 نوعاً من السلاح تم تجريبها على الشعب السوري لأول مرة كما تفاخر روسيا بذلك”.
وأضاف البيان أنه “رغم ما نقلته روسيا من ترسانة عسكرية إلى أرضنا، وما استخدمته من أسلحة وقنابل فراغية وارتجاجية وطائرات حولت خلالها بلدنا إلى معرض للأسلحة وساحة للمناورات الحية، ورغم كل ما ارتكبته من مجازر وما نفذته من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ورغم استعدادها للمتابعة وارتكاب المزيد من الفظائع، إلا أنها وصلت اليوم إلى طريق مسدود ونهاية بائسة لمشروعها الذي راهن على الديكتاتور، وتوهم إمكانية إسقاط الشعب السوري”.
وطالب الائتلاف السوري في بيانه “المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته والعمل على إيجاد آليات مناسبة لوقف التعطيل الروسي للدور الدولي في سوريا، والعمل من أجل تحرك أكثر فاعلية للضغط من أجل تجنب هدر المزيد من الدماء ودفع عجلة العملية السياسية بشكل فوري”.
من جهته قال الناشط الحقوقي “عبد الناصر حوشان” لـSY24، إن “التوصيف الصحيح للوجود الروسي في سورية هو (الغزو الروسي) حيث أنزلت قواتها العسكرية في سوريا لقتال الشعب السوري الثائر ضد نظام الأسد الدكتاتوري، و هو نزاع داخلي لا يبيح لأي دولة كانت التدخل فيه إلى جانب أحد الأطراف حتى لو كان بينها وبين النظام السوري معاهدات صداقة أو دفاع مشترك، إذ أن هذه المعاهدات لا تُفعَّل في النزاعات الداخلية وإنما في حال الاعتداء الأجنبي على الدول”.
وأضاف أنه “من هنا فإن ذريعة شرعية التدخل الروسي بطلب من النظام ذريعة باطلة لا أساس لها في القانون الدولي”.
وتابع قائلا إن “العزو الروسي كان غزواً لا يقل إجراما ووحشية عن النظام السوري، فلم توفر القوات الروسية سلاحا إلا واستخدمته في حربها على الشعب السوري، لدرجة أنهم جعلوا من مدننا وأهلنا وديارنا و إخواننا حقل تجارب لما تنتجه شركات السلاح الروسية، وهذا ثابت باعتراف القيادة الروسية على أعلى مستويات”.
وأشار إلى أن “العوامل التي ساعدت في الإخلال بموازين القوى بين قوى الثورة وبين النظام وحلفائه، تفاوت ميزان القوة العسكرية من سلاح وعتاد وتقنيات حديثة، وكذلك تفاوت ميزان الدعم المالي للقوى الغازية، حيث دعمها بشيكات مفتوحة”.
وأضاف أن “من أسباب اختلال موازين القوة هو التخاذل العربي والدولي الذي شهدناه في مواجهة العدوان الروسي و خاصة الولايات المتحدة، التي تركت روسيا تصول وتجول دون رقيب في سوريا، حتى أصبحت قوة احتلال لأنها استولت على القرار السياسي والعسكري والاقتصادي و القانوني والدستوري في سوريا”.
أما الكاتب والمحلل السياسي “علي تمي” فقال لـSY24، إن “هذا اليوم هو يوم أليم في تاريخ السوريين، الذين هجروا من أرضهم وديارهم وأصبحوا مشردين في أصقاع العالم، والسبب الأول يتحمله الروس والإيرانيين”.
وأضاف “تمي” أن “ما يقوم به الروس في سوريا هو وصمة عار على جبينهم، وبالتالي مطلوب منهم دفع الأمور في هذه المناسبة نحو حل سياسي ليتمكن 10 مليون مهجر بين الداخل والخارج من العودة إلى ديارهم”.
وبعد التدخل الروسي توسعت الأطماع الروسية في سوريا، سعيا منها لوضع يدها على مفاصل الحياة الاقتصادية والاستثمارات وتنفيذ المشاريع، وذلك كونها ترى أن ذلك من حقها بعد أن فوضها النظام السوري بذلك.
من جهته قال الكاتب والمحلل السياسي، الدكتور “مأمون سيد عيسى” لـSY24، إن ” استراتيجية التدخل الروسي في سوريا هي مزيج بين القوة الغاشمة والخداع الماكر وسياسة الخطوة خطوة، حيث عملت روسيا في سبيل تحقيق مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية في شرق المتوسط على الركائز التالية:
1-تثبيت نظام الأسد وليس حكم بشار الأسد.
2- تشكيل مفاوضات دولية، من منطلق دورها كوسيط وليست طرفاً في الصراع، وحصلت على اعتراف إقليمي ودولي بهذا الدور .
3-استخدام القوة العسكرية بأبشع صورها.
4- خداع الفصائل بموضوع المصالحات الذي وصل في مناطق مثل درعا إلى تحويل قسم من الفصائل الى ميليشيا تقاتل معها.
5-السيطرة على ركائز الاقتصاد في مناطق النظام”.
وأضاف أنه “بالنتيجة نجحت روسيا بشكل اولي في تحقيق أهدافها فأبعدت فصائل الثوار وحاضنتهم عن المناطق الرئيسية في سوريا، واستطاعت عقد مصالحات في مناطق عدة، لكنها في النتيجة لم تستطع أن تفرض الحل السياسي وفق رؤيتها، ولم تستطع فرض بشار الأسد على السوريين، وفشلت في الدخول في عملية إعادة الإعمار التي تخطط لتستفيد منها، حيث ربط الأمريكان بين بدء إعادة الإعمار وتطبيق الحل السياسي وفق القرارات الدولية”.
وكانت الزيارة التي أجراها الوفد الروسي، في 9 أيلول الجاري، برئاسة وزير الخارجية الروسي “سيرغي لافروف” إلى العاصمة دمشق، والتي وصفها مراقبون بـ “المفصلية”، أكبر دليل على أنها جاءت لإنعاش الاقتصاد في سوريا إضافة لوضع يد الروس على استثمارات ومشاريع جديدة في سوريا، وفق الرؤية الخاصة بهم.
وفي 20 من الشهر الجاري، استدعت روسيا سفير النظام السوري لديها “رياض حداد”، وذلك للتنسيق من أجل تنفيذ الاتفاقيات الاقتصادية التي تم الاتفاق عليها مؤخرا.
وفي تموز الماضي، وقع الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، مرسوما فوض فيه وزارتي الدفاع والخارجية بإجراء مفاوضات مع النظام السوري بغية تسليم العسكريين الروس منشآت إضافية وتوسيع وصولهم البحري في سوريا، حسب وكالة “انترفاكس” الروسية وباعتراف من وسائل الإعلام الموالية للنظام.
كما أصدر “بوتين” قرارا يقضي بتعيين مبعوث خاص به في سوريا، حيث تم ترفيع السفير الحالي في سوريا “ألكسندر يفيموف”، ليصبح مبعوثا شخصيا له، ما دفع بنشطاء سوريين وشخصيات سياسية معارضة للتحذير من تبعات تلك الخطوات الروسية في قادمات الأيام.
ووسط كل ذلك يترقب السوريون تحرك المجتمع الدولي والأمم المتحدة، للضغط على الروس وكبح جماحها في مواصلة دعم النظام السوري على حساب الشعب السوري، لكسب مزيد من الوقت والمماطلة في الحل السياسي لإنهاء المأساة السورية.