مرت سبع سنوات، وماتزال رحى الحرب الدائرة في سوريا تطحن أبناءها، ومحافظة الحسكة تأثرت بالحرب، كغيرها من المدن السورية، فالظروف لم ترحم أحداً، وأفرزت الكثير من الأسر الفقيرة التي ضاقت بها السبل، وامتهنت التسول كمصدر للقمة العيش.
عندما تتجول اليوم في شوارع الحسكة، ترى وتصادف العديد من المتسولين، جلهم من الأطفال، تراهم يفترشون الأرض ويقفون في منتصف الطرقات وفي زوايا الشوارع، يستجدون المال مقابل دعوة لله أو يبيعونك سلعة، لست بحاجة لها، مقابل أن تمر في الشارع بسلام.
“أحمد” الطفل البالغ من العمر 10 سنوات، عندما تنظر ليديه الصغيرتين، يبدو لك فوراً، أنهما لم تلمسا الماء منذ أكثر من عشر أيام، ويستحلفك بالله أن تشتري منه، فهو الرجل الصغير المعيل لأسرته.
وعندما تسأله لماذا أنت لست في المدرسة؟، يجيب “أي مدرسة” ونحن لا نأكل لنشبع، أبي عاجز ولدي أخوة صغار، وأنا أكبرهم ونحن نازحون في هذه المدينة الغريبة، ويتكلم والحسرة تختلط بصوته الطفولي، ويتابع..
اليوم لو كنت بالمدرسة كانوا أعطوني جلائي المدرسي أيضاً، ولكن.. ويسكت ويترك جملته معلقة.
تشعر بالعجز أمام هذا المنظر، فلا تملك إلا أن تعطيه ما فيه النصيب، وتحبس دمعتك وتمشي لتلعن الحرب والقائمين عليها.
الطالبة الجامعية “هبة مردلي” قالت لـ SY24، “إنني وفي طريقي إلى كليتي بالحسكة، أواجه بشكلٍ يومي، استجداءات من بعض الأطفال المتسولين، الذين يتجمعون عند زاويا أغلب شوارع المدينة، ويعترضون طريقي إلى أن أعطيهم بعض المال، ليفسحوا لي المجال بالمرور، وأشعر بالقهر عندما أمر، ويبدؤون بالركض باتجاهي، وأكون لا أحمل المال الكافي لإعطائهم ما يسرهم”.
أما “شيار عمر” وهو صاحب محل تجاري، قال لـ SY24، إنّ “وجوه هؤلاء المتسولين هي ذاتها تتكرر منذ سنوات، وقد أصبح التسول بالنسبة للبعض حاجة، نتيجةً لضيق الحال، وبالمقابل هي مهنة بدوام يومي لكثيرٍ منهم، فبعض المتسولين هم بعمرٍ وصحةٍ جيدة، تسمح لهم بالعمل وكسب قوت يومهم بعرق جبينهم، الا أنهم اعتمدوا التسول كعملٍ مريح، ينتج عنه وارداً مالياً معقولاً”.
ويرى المرشد النفسي “عصام مراد”، أن “أهم أسباب ظاهرة التسول، هو الفقر والحاجة والعوز والنزوح من مناطق النزاع والحرب”.
وأضاف “مراد”، أن “نسبة كبيرة من اصحاب العاهات والأمراض، استغلوا وضعهم الصحي، من أجل الضغط على المارة عاطفياً، لإعطائهم المال بداعي الشفقة”.
واختتم حديثه قائلاً: “يجب السيطرة على هذه الظاهرة كي لا تتفاقم، وذلك من خلال التعاون بين المسؤولين والجمعيات الخيرية في المدينة، لوضع برامج وخطط تضمن تأمين فرص عمل لهؤلاء المتسولين، وتحويلهم من عبء اجتماعي إلى عضو منتج بالمجتمع، مع التأكيد على أهمية ضبط موضوع التسرب المدرسي للأطفال وإيجاد حل له”.
وانتشرت مؤخراً ظاهرة خطيرة بين المتسولين، وهي وجود عدد لا بأس به من الفتيات والنساء، الذين تتراوح أعمارهن بين 12 و40 سنة، وهذه السن قد تعرضهن لمضايقات نفسية وجسدية، ممكن أن تصل إلى حد التحرش الجنسي في بعض الحالات، علماً أنّ اغلبهن يطرقن أبواب المنازل، وهم يجهلون تماماً من بداخل هذه المنازل.