مر عيد الأم على السوريين هذا العام وهم على ما هم عليه من ألم، وكانت وسائل التواصل الاجتماعي ولا سيما فيسبوك أوضح تجل لشتات السوريين وآلام البعد والفقد التي يكابدها كثيرون.
ما يمكن أن يبدو لمراقب خارجي كحالة مبالغ بها من إكبار للأمهات وتعظيم لهن، أشعل وسائل التواصل الاجتماعي لثلاثة أيام بلياليها بحسب التوزع الجغرافي للسوريين على خطوط الطول على امتداد الكوكب.
كان هذا الاحتفال دليلاً واضحاً على الشتات الذي فرق العائلات، خاصة أن الحالة الشائعة في التغريبة السورية كانت خروج الأبناء والبنات من جيل الشباب وبقاء الأهل في سوريا، وقد ذكر كثيرون في معايداتهم لأمهاتهم المدة الزمنية التي قضوها بعيداً عنهن.
كما كان عيد الأم مناسبة لتذكر الراحلات من الأمهات وفي كثير من الحالات تعذر الوداع، وذكريات أعياد ماضية كانت تقضى في أحضان الأمهات ووسط العائلة، استعاد كثيرون وكثيرات قصص الفقد المؤلم ومعاناة خسارة الأم ومعنى وجودها حولنا ومعنا.
وجد الذين يحتفلون مع أمهاتهم في مكان واحد أنفسهم في حرج، فقلما نجد على شبكات التواصل الاجتماعي صوراً لاحتفالات أو اجتماعات عائلية بهذه المناسبة.
عند ذكر الأم هذا العام وكل عام لا يمكن ألا تتبادر للذهن أمهات الشهداء، اللواتي لا بد يمر عليهن عيد الأم وكل يوم بتذكر من فقدن، وبينهن أم غياث، التي قدمت للثورة السورية إحدى أيقوناتها وابنها البكر غياث مطر، والتي تلقت قبل عيد الأم هذا العام بيوم واحد خبر استشهاد ابنها حازم في معتقلات النظام السوري الإجرامية.
كما لا يمكن ألا يخطر لنا عند التفكير بالأمهات السوريات أولئك اللواتي ينتظرن خبراً عن أبناء مجهولي المصير، وسنوات قضينها في البحث دون طائل عن معلومة أيا كانت طبيعتها.
الصورتان الأخيرتان المرتبطان بالأم هذا العام تتلخصان بصورة الأم تحت القصف في أقبية الغوطة تهدهد أبناءها وتهدئ روعهم وجوعهم بما تمتلك من كلمات ولقيمات، وبصورة الأم التي تحمل أبناءها وما خف حمله وتخلف خلفها بيتها وماضيها وتسير في درب الخروج الذي لا تعلم إن كانت تعود يوما.
في درب الآلام هذا لا تبدو النهاية قريبة ولا يبدو الحلم بسهرة عيد الأم في ساحات سوريا الحرية قابلاً للتحقيق ولكن القابل للتحقيق اليوم هو أمنية قلبية بالسلامة والنجاة لكل أمهات سوريا وأبنائهن في المدى القريب إلى حين تحقق الحلم بالعودة ولم الشمل.