يتجهز الطفل “زيد” البالغ من العمر 10 أعوام، وشقيقه خالد لركوب الباص المدرسي في يومهما الدراسي الأول، الذي سينقلهما من منزلهما في دير حسان إلى مدرسة المعرفة الخاصة في مدينة سرمدا، بعد أن ارتديا الزي الموحد الخاص بمدرستهما الجديدة.
فضّل والدهما إكمال تعليمهما الابتدائي في مدرسة خاصة، بعد تراجع مستواهما الدراسي في المدرسة العامة القريبة من منزلهما العام الماضي.
ازداد الإقبال بشكل ملحوظ من قبل بعض الأهالي في الشمال السوري على التعليم الخاص في المدارس والمعاهد ورياض الأطفال وحتى الجامعات، لما توفره من خدمات للطلاب ومستوى عال في التعليم حسب من التقيناهم من الأهالي.
وتضاعف عدد المدارس والمعاهد الخاصة في آخر سنتين، لاستيعاب الطلاب وتأمين البيئة المناسبة للتعليم، وليكون رديفاً للقطاع العام الذي يعاني أساساً من ضعف في الإمكانيات بعد انقطاع الدعم عنه واقتصاره على الفئة الأولى فقط.
ساهمت موجات النزوح في ازدياد عدد الطلاب. بالمقابل كان هناك نقص في عدد المدارس وضيق المساحة الموجودة في المنشآت التعليمية، خاصة بعد خروج عدد منها عن الخدمة نتيجة القصف خلال السنوات الماضية.
لم تكن المدارس الموجودة في المخيمات والتي تفتقر أساساً لجميع مقومات المدارس، كافية لاستيعاب الطلاب، حيث ذكر تقرير صادر عن وحدة تنسيق الدعم ACU في حزيران من العام الحالي، واقع المدارس في مخيمات الشمال السوري بعد أن زار باحثو فريق وحدة إدارة المعلومات 1.302 مخيماً في محافظتي حلب وإدلب وتبين أن 175 مخيم فقط يوجد فيه مدارس معظمها يعاني من نقص في المستلزمات والمعدات المدرسية والبنى التحتية.
تتوزع المدارس الخاصة في المدن الرئيسية المكتظة بالسكان كإدلب المدينة وسرمدا والدانا ومعرة مصرين وغيرها، و تتميز بكوادرها التدريسية من ذوي الخبرة وباهتمامها باللغة الإنجليزية والتركية ولاسيما المحادثة وإدخال الحساب الذهني لطلاب المرحلة الابتدائية وتوفر أجهزة الحواسيب بالإضافة للأنشطة الترفيهية والرياضية المتنوعة.
بلغ عدد المنشآت التعليمية المرخصة 161 بين مدارس ومعاهد ورياض أطفال حسب ما قاله لنا رئيس شعبة المدارس “أحمد نيبو”، وأضاف أن العمل جاري على ترخيص عدد كبير منها.
عانت “أم ابراهيم” سيدة مهجرة من ريف إدلب الجنوبي من انقطاع أولادها عن المدارس فترة مؤقتة، وأثّر ذلك بشكل سلبي على مستواهم التعليمي.
تقول إن ابنها “إبراهيم طالب الصف التاسع، لم يتلق التعليم الكافي في مدرسته بمدينة سرمدا مكان سكنهم الحالي، بسبب ضعف التعليم وازدياد عدد الطلاب في الصف الواحد وتغيب بعض المعلمين ولاسيما المتطوعين منهم، كل ذلك جعل إبراهيم يرسب هذا العام”.
لا تريد لابنتها “شهد” طالبة البكالوريا هذا العام مصيراً مشابهاً لأخيها، لذا وجدت في المدرسة الخاصة حلاً لمشكلتها، رغم ارتفاع تكاليف أقساط المدارس الخاصة، بالإضافة لتأمين المواصلات والكتب وباقي اللوازم المدرسية.
تقول “أم إبراهيم” إن “تأمن المدارس الخاصة للطلاب أفضل الكوادر التدريسية ذات الخبرة والأسلوب الجيد في الإعطاء، كما أن عدد الطلاب في الصف الواحد لا يتجاوز ثلاثين طالباً، مع التشديد على الالتزام بالدوام وعدم الغياب أو التسرب منها وهو ما تفقده المدارس العامة للأسف”.
دفعت أم إبراهيم 30 دولار شهرياً رسوم التسجيل في مدرسة “منابع العلم” الخاصة الواقعة على طريق الدانا وتختلف الأقساط الشهرية في باقي المدارس تبعاً للمرحلة الدراسة الخدمات التي تقدمها كل منها، بينما دفع “زيدان” والد الطفلين زيد وخالد 40 دولار رسوم التسجيل الشهري لكل طفل، بالإضافة إلى 15 دولار تدفع مرة واحدة ثمن الملابس والكتب والأدوات المدرسية الأخرى، يقول: “توقيت الدوام الذي يقتصر على ساعتين في اليوم للفوج الواحد خلق فجوة لدى أولادي وباقي الطلاب، ناهيك عن عددهم الكبير يجعل من التركيز في القاعة الصفية أمراً صعباً”
لا ينكر زيدان أن مبلغ 80 دولار كل شهر هو أمر شاق عليه، ويعادل تقريباً نصف راتبه ولكن خوفه على تعليم الأطفال دفعه لتحمل أعباءٍ إضافية حسب قوله.
ارتفاع أقساط التسجيل في المدارس الخاصة جعلها حكراً على فئات معينة من السكان دون عن غيرهم، تقول “ولاء عيسى” وهي أم لأربعة أطفال في المرحلة الابتدائية في مدينة إدلب، إنه “من غير الممكن تحمل تكاليف التعليم الخاص، إضافة لأجرة المنزل و المصاريف الأخرى، وزوجي عامل مياومة بأجر لا يتجاوز 30 ليرة تركية باليوم!”
يقول لنا “خالد المحمود” رئيس شعبة التراخيص في دائرة التعليم الخاص، إن “أي روضة أو مدرسة خاصة يجب أن تكون المنشأة فيها مستقلة ومنفصلة وواسعة، و تحوي غرفاً صفية كبيرة، لكل طالب مساحة متر وباحة كبيرة أيضاً تستوعب الطلاب دون ازدحام، وأن تكون مناسبة من حيث الإنارة والتهوية والمكان، والمدرسين من حملة الشهادات الجامعية أما بالنسبة لرياض الأطفال يمكن أن تكون شهادة معهد”.
تتبع المدارس الخاصة إدارياً إلى المجمع التربوي في مديرية التربية والتعليم في إدلب، كذلك تدرس المناهج ذاتها الموجودة في مدارس التربية، حسب معاون مدير التربية “محمد ناجي” في تصريح خاص لـ SY24، كما أرجع ناجي سبب ازدياد عدد المدارس والمعاهد الخاصة إلى ضيق المساحة التعليمية وتحويل التعليم إلى “تعليم عن بعد” بداية ثم إلى نظام أفواج متعددة خلال اليوم بعد جائحة كورونا 2019.
تأثر القطاع التعليمي بالجائحة وزاد الضغط على المدارس العامة بسبب تقسيم الطلاب إلى أربعة أفواج في اليوم بمعدل ساعتين لكل فوج مما أدى إلى ضغط المواد الدراسية والتقليل من الوقت المخصص لإعطاء المنهاج كاملاً.
وفي هذا الصدد، قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” في تقريرها السنوي الصادر مطلع العام الحالي، إن “نظام التعليم في سوريا يعاني من التفكك والإجهاد الكبير ونقص في التمويل، وعدم القدرة على تقديم خدمات آمنة وعادلة لملايين الأطفال، حيث يوجد في سوريا أكثر من 2.4 مليون طفل غير ملتحقين بالمدرسة”.