لا أثر لحديقة منزل “أم علي” في “عين الفيجة”، ولا أسقف أو جدران باقية على حالها، كل ما يمكن رؤيته أبنية مهدمة، وأنقاض منازل فوق بعضها البعض، السيدة قالت لمنصة SY24، إن “معالم الحي كلها زالت كأنها لم تكن”.
سُمح لبعض الأهالي بالدخول إلى عين الخضرا والبسيمة وعين الفيجة في كانون الأول 2020 بعد موافقات أمنية تضمنت أسماء جميع الأشخاص الذين دخلوا إلى تلك المناطق لمدة ساعتين فقط.
استطاعت “أم علي” كغيرها من الأهالي أن ترى فيها البلدة وتزداد حسرتها، التقطت عدسة جوالها عدداً من الصور لركام منزلها ومنازل أبنائها في ذات الحي، تبكي كلما تذكرت كيف كانت تلك المنازل قبل سيطرة النظام وميليشيا “حزب الله” عليها وتدميرها، تقارن بينها وبين صور محتفظة بها في ذاكرة الهاتف المحمول، حالها حال مئات العائلات التي خسرت بيوتها وأراضيها في تلك المنطقة.
تقع بلدة “عين الفيجة” في وادي بردى بين السلاسل الجبلية غرب دمشق، يتدفق منها “نبع الفيجة” الذي يزود مدينة دمشق بحاجتها الأساسية من مياه الشرب، وتتبع إدارياً لمنطقة الزبداني في محافظة ريف دمشق لها أهمية تاريخية كبيرة وكانت مقصد السياح والأهالي في دمشق لطبيعتها الخلابة ومناخها المعتدل.
تعرضت بلدات وادي بردى ولاسيما بلدتي البسيمة وعين الفيجة لحملة شرسة من قبل النظام ومليشيا “حزب الله” اللبنانية في كانون الثاني 2016، حيث دارت معارك عنيفة من عدة محاور، تعرضت خلالها لقصف جوي دمر المنطقة بشكل شبه كامل وانتهت بسيطرة النظام وحزب الله عليها، وتهجير الأهالي منها.
يعتبر وادي بردى بالنسبة لمليشيا حزب الله نقطة وصل مهمة بين مناطق سيطرته في القلمون الغربي ومنطقة الزبداني التي تتمركز فيها قواته إلى اليوم، فكان لابد له من السيطرة على بلدات الوادي لإحكام سيطرته من العاصمة دمشق إلى الضاحية الجنوبية.
الناشط والصحفي “محمد آلان” من أبناء بلدة “عين الفيجة”، قال لمنصة SY24، إن النظام بمساعدة حزب الله، دمر أكثر من 80٪ من البيوت واستولى على الأراضي المحيطة بالنبع بحجة أنها حرم النبع، وعمل على تفجير المنازل التي نجت من القصف أثناء الحملة ومحى أحياء كاملة منها.
وأضاف “آلان”، أنه كان لحزب الله دوراً في قصف واقتحام بلدتي “إفرة وهريرة”، إضافة لبلدة “عين الفيجة”، وبعد بسط سيطرته عليهم بدأ بالبحث والتنقيب عن الذهب والآثار المدفونة كون المنطقة من أقدم المناطق، ولها أهمية تاريخية لوجود آثار من العهد اليوناني، إضافة إلى المعبد الروماني عند فوهة نبع الفيجة.
وأكد أن “قوات النظام وحزب الله لم تكتفِ بتدمير المنطقة فحسب بل حاولت سرقة آثارها وحضارتها من خلال التنقيب عن الكنوز المدفونة في باطن أرضها وسرقته”.
خسر الأهالي منازلهم وحرموا من العودة إلى أنقاض البلدات المدمرة، في حين بسط النظام سيطرته على الأراضي تحت مسمى حرم النبع، وحرم السكة، وحرم النفق، وحرم النهر دون تعويض لهم عن منازلهم المدمرة، حيث حاول النظام إيهام الأهالي المتضررة منازلهم بمساكن بديلة أو تعويضهم مادياً، ولكن وعوده لم تتعدى كونها حبراً على ورق.
يعاني أهالي بلدتي البسيمة وعين الفيجة من ارتفاع أجرة المنازل في المناطق المحيطة بالوادي التي لجأوا إليها بعد تدمير بلداتهم، وتؤكد “أم علي” أنها سكنت هي وأبنائها وأولادهم في منزل واحد بقدسيا وتدفع 150 ألف ليرة شهرياً وهو مبلغ يعادل ثلاثة رواتب لموظف حكومي في دمشق.
“محمد آلان”، ذكر في حديثه، أن الأهالي توزعوا بين قدسيا والهامة ودُمَر، وبين قرى الوادي الأخرى كدير مقرن ودير قانون وكفير الزيت وتتراوح أجرة المنازل بين 25_75 ألف حسب المنطقة، وهذا الأمر أرهق الأهالي منذ خمس سنوات وجعل بعضهم يتمنى العودة إلى أنقاض منزله والتخلص من الإيجار.
بلدات وادي بردى ليست الوحيدة التي استولى عليها جيش النظام والميليشيات الإيرانية، ومنع أهلها من دخولها، بل استولت على مئات المنازل في جميع المحافظات السورية الواقعة تحت سيطرتها، إضافة إلى الاستيلاء على مساحات زراعية واسعة، وتحديدا في حلب وديرالزور والبادية السورية.