للمرأة السورية دور في جميع مجالات الحياة وفي كل تفصيلة يمر بها السوريون بشكل عام، حاولت على مدى سنوات التحايلَ على الحرب وظروفها، وثّقت ونقلت آلامها كأم ومعتقلة وصاحبة فكر وقضية أيضًا.
فبينما تجمع الحرب النساء السوريات على التعب، تختار لبعضهن حياة التشرد والنزوح، ولأخريات حياة بلا قرار، فيما تفسح مجالًا ضيقًا تطلّ منه بعض النساء الراغبات بالمساهمة في الحصول على حقوقهن متحديات بذلك منظومة من العادات والإرث المجتمعي خلفتها التقاليد البالية.
هكذا بدأت حديثها الصحفية سلمى لمنصة SY24، والتي تتابع قائلة “تعتبر العادات والتقاليد في مجتمعنا والذي يوصف بالمحافظ من أكبر التحديات التي تواجه الإعلاميات وتقف عائقاً أمام تطورهن، فالصحفيات في ديرالزور بوصفهن جزء من هذا التغيير يواجهن عوائق تعرقل سير عملهن وعلى رأسها العائق الأمني ثم المادي، بالإضافة إلى نقص الخبرات وأحياناً آخرى المعدات .
وأضافت “مازالت هناك أكوام من الركام تسد الأفق ضدهن، إلا أن المرأة إذا اجتهدت ستثبت للمجتمع أن عملها في مجال الإعلام ضرورة ملحة، خاصة أن النساء قادرات على تغطية أحداث لا يمكن للرجال تغطيتها.
ليس الدفاع عن حقوق الصحفيات منفصلاً أو بعيداً عن الدفاع عن حقوق المرأة السورية، فبرغم ماحققته المرأة من مناصفة مع الرجل تبدو ظاهرة في بعض الأماكن , إلا إنها لم تصل إلى أفضل حالاتها في القطاع الإعلامي وخاصة في قيادة المؤسسات الإعلامية .
الناشطة الإعلامية “ريما” والتي بدأت عملها في الإعلام منذ قرابة السبع سنوات، تقول “واجهت صعوبات كثيرة في البداية بسبب رفض المجتمع المحيط بي لعملي، وبدأت المضايقات كلامية ومن ثم تلتها النظرة السلبية، فقد أشار لي البعض بأن فرصتي في الزواج قد تقل مع استمراري بالعمل الصحفي وهذا ماوضعني في مواجهة مع أهلي للابتعاد عن العمل في كثير من الأوقات”.
وتابعت “رغم أن الشباب يحترمون الصحفية وعملها إلا إنهم لا يفضلون الزواج منها “، مشيرة إلى أن الأمر غالباً ما يرتبط بعادات مجتمعنا الذي ينتقد أي عمل يفرض على الفتاة الاختلاط مع الرجال، كما أن العمل الصحفي بالتحديد، ليس من ضمن الأعمال المتقبلة من الجميع للمرأة، وذلك لأنه يتطلب منها الخروج المتكرر من المنزل”.
بغض النظَر عن الواقع الهش الذي تعانيه الإعلاميات في سوريا وهي الحالة السائدة، فإن الكثيرات منهن قد حققن تقدماً جيداً، ويبدو أنّ العقبات أمام مشاركتهم قد بدأت تأخذ بالانحسار.
“رنا” إحدى الناشطات الاعلاميات اللواتي بدأن العمل مع بداية عام 2011 تقول “اعتبر العمل الإعلامي موضوعاً جديداً على معظم ناشطي الثورة السورية، لم أكن محترفة صحفية رغم إنني تخرجت من كلية الإعلام في جامعة دمشق، إلا إنني كنت أعود إلى صحفيات أكثر خبرة لمساعدتي، وكان من المهم حينها أن يصل الخبر دقيقاً بعيداً عن زخرفات اللغة وفن الصياغة”.
وزادت قائلة “كنت حينها استخدم إيميلات وهمية مع الكثير من التدابير الاحترازية لنقل الأخبار، وكانت التنسيقيات ووسائل التواصل الاجتماعي منبرنا الأول ، وعملت في بداية الأمر على الصحافة المكتوبة، وكان أساسياً ضمان الأمان والسلامة من خلال إخفاء الهوية، وهو ما كان متاحاً في الصحافة المكتوبة أكثر من باقي وسائل الإعلام المسموعة والمرئية”.
ومضت قائلة “أتمنى أن تعود أيام الثورة الأولى وأنا بخبرتي التي اكتسبتها اليوم، ربما سيشكل ذلك فرقاً في نقل الخبر، ولكن عندما أذكر كيفية نقل أخبار أعداد الشهداء، أو عمليات الاعتقال، وتصوير المجازر اتراجع عن أمنيتي، ولكن لا أنكر أن بدايات الثورة كانت المجال الوحيد الذي شعرت فيه بأهمية الإعلام ودوره وثقله في المشهد العام”.
إلى الآن غالبًا ما تقتصر تغطية الصحفيات في ديرالزور على التقارير المكتوبة، وخصوصاً في المناطق الواقع تحت سيطرة (الإدارة الذاتية)، إذ لا يتم لمس أي اهتمام من قبلهم لاستقطاب النساء بهذا المجال مقارنة بباقي المنطقة، حيث تمتنع أغلب الإعلاميات عن الظهور أمام الكاميرات لاعتبارات متنوعة أمنية واجتماعيّة، كما أن “اللهجة الثقيلة” التي يتمتع بها أهالي المنطقة والتي تتميز بقربها من الفصحى، جعلت الكثير من النساء يبتعدن عن الإذاعات أو الظهور أمام الكاميرات.
وفي سياق آخر ترى الناشطة “ديما” أنّ تدني الواقع المعيشي في المنطقة بشكل عام جعل الاهتمام بالمظهر أمرًا ثانويًا بالنسبة للكثير من الصحفيات، وهذا ما يجعلهنّ معفيّات من شراء ملابس معينة للظهور الإعلامي، لافتةً إلى أن ذلك لا يعني عدم اضطرار الكثير منا لتقديم بعض “التنازلات” التي يمكن أن تندرج تحت إطار “التكيف”، كارتداء ملابس معيّنة في بعض الأماكن، حسب تعبيرها.
وأشارت إلى أنه رغم قلة عددهن مقارنة بناشطي وصحفي المنطقة، إلا أنهن ينشطن في مجالات مختلفة، ويُقر المتابع وابن المنطقة ببصماتهن التي وضعنها في إعلامٍ جديد نشأ داخل مجتمع محافظ لم يعتد أهله تلقي الأسئلة من فتيات جريئات، تحدين الواقع لممارسة مهنة لطالما أحببنها.
تعمل معظم الصحفيات والناشطات بأسماء وهمية، وفي هذا الجانب تقول “سلوى” إنها تواجه صعوبة بسيطة في الميدان، وتحاول أن يكون عملها بعيدًا عن مناطق الخطرة أو المشبوهة، مشيرةً إلى أن بعض من تقابلهم يستغربون فكرة الفتاة الصحفية، لكنها تراها إيجابية رغم اضطرارها للجوء إلى شهودٍ آخرين في حال رفض البعض الحديث معها.
وتابعت “رغم أنني لم أتعرض للمضايقات خلال عملي لكنني اواجه صعوبة في التنقل ورفقة الطريق”، مبينة أن “العمل الصحفي مرهق ويستوجب الغياب لساعات طويلة عن المنزل والكثيرات منّا لا ترغبن في ذلك، إلا انني اعتدت على عملي كما إنني قمت بتغطية الكثير من النشاطات لوحدي بين الكثير من الإعلاميين الذكور”.
وقالت أيضا “ربما أشعر احياناً بالإحراج خاصة إذا كنت الوحيدة بينهم، فالمجتمع يرى الاختلاط نقطة سلبية بالنسبة لنا”.
ورغم الانفتاح العام في المنطقة إلا أن الصحفيات من النساء مازلن مقيدات بحدود الأطر النمطية التي فرضها عليهن المجتمع، فهناك من استمرت بعملها متحدية العادات المجتمعية الرافضة لدورها، وهناك من كان السكوت نصيبها نتيجة “التسلط”، فاستسلمت للصعوبات والتحديات، وفق ما تم رصده ومتابعته مع عدة صحفيات وناشطات في المجال الإعلامي من سكان المنطقة، مع الإشارة إلى أن الحال ربما يكون واحدًا بالنسبة للصحفيات في مناطق الشمال السوري وغيرها من المناطق في الداخل السوري.