لم يدخل الأشقاء الثلاثة “جهاد وإياد وولاء” المدرسة يوماً، منذ نزوحهم من ريف حماة إلى شمال مدينة إدلب، ولم يتلقوا التعليم في المخيم الذي يقطنوه حالياً.
تقول والدتهم في حديث خاص مع منصة SY24، إن “بُعد المدرسة عن المخيم حرمهم من الذهاب إليها، ولا قدرة مادية لي لدفع ثمن أجرة سيارة تقلهم إلى المدرسة كباقي أطفال المخيم”.
أكمل التوأم” جهاد وإياد” أعوامهم العشرة، دون أن يتمكنوا من كتابة حرف واحد أو قراءة حتى أسمائهم، فمن المفترض أن يكونوا في الصف الرابع الابتدائي، لو أنهم تابعوا تعليمهم.
أما بالنسبة لأختهم” ولاء” التي تكبرهما بعامين، فإنها تحضر مع أطفال الروضة الموجودة ضمن المخيم، وهي عبارة عن خيمة صغيرة أنشأت بجهود تطوعية من نساء المخيم لتعليم الأطفال مبادئ القراءة والكتابة، تقول “ولاء”: “أشعر بالحرج أنني أجلس في المقعد مع أطفال الروضة الصغار، وأنا أكبرهم بسنوات، وأتعلم مثلهم الأحرف”.
“جهاد وإياد وولاء”، وآلاف الأطفال غيرهم حرموا من حقهم في التعليم ووجدوا أنفسهم ضحية “التسرب المدرسي” الذي يعد من أبرز الظواهر التي أفرزتها الحرب في سوريا، إذ يعاني نظام التعليم في شمال غربي سوريا من ضعف كبير، ونقص في الدعم والتمويل، وعدم القدرة على تقديم خدمات تعليمية وبيئة آمنة لملايين الأطفال في المنطقة.
زاد القصف والنزوح والتهجير، من ظاهرة التسرب المدرسي، فبعد عقد من الحرب والدمار وعدم استقرار الطفل في بيئة آمنة، حلت عمالة الأطفال مكان التعليم، وحرم عدد كبير من الأطفال من التعليم، فيما توقف عدد كبير من المدارس وخرجت من الخدمة نتيجة القصف الممنهج على المنشآت التعليمية في مختلف المناطق السورية.
وذكر تقرير لمنظمة “اليونيسيف” عن أثر الحرب على الواقع التربوي في سوريا، أن “عدد المدارس التي تعرضت للتدمير الكلي أو الجزئي، تجاوز 4 آلاف مدرسة منذ منتصف 2011، أي ما يشكل نحو 40 بالمئة من إجمالي عدد المدارس في سوريا”.
وأكد آخر إحصائية لفريق “منسقو استجابة سوريا”، أن “نسبة التحاق الطلاب بالمدارس تراجعت في جميع المراحل التعليمية في سوريا من 93% إلى 65% من مجموع الطلاب”.
تختلف أسباب التسرب من المدرسة ودوافعه، ويرى “محمود زيدان” مدير مدرسة في إدلب، ويعمل في القطاع التعليمي منذ عشرة أعوام، أن “عدم اهتمام الأهل بالناحية التعليمية في الدرجة الأولى وجهلهم بخطورة حرمان الطفل من التعليم ونتائجه الكارثية مستقبلاً، هي أحد أسباب تفشي ظاهرة التسرب، وهذا ما يفسر وجود أطفال تذهب للمدرسة وأطفال متسربين في المخيم ذاته”.
وأضاف أن “بعض الأسر تزج بأطفالها الذكور في سوق العمل، بسبب الظروف المعيشة الصعبة”.
ويرجح “زيدان” هيمنة العادات والتقاليد على فئة واسعة من الأهالي التي تفضل تزويج الفتاة بعمر صغير لا يتجاوز 15 عاما على إكمال تعليمها، وهي اليوم منتشرة بكثرة بعد الحرب عما كانت عليه سابقاً.
يؤكد معلمون تحدثنا إليهم، أن أبرز أسباب نجاح التعليم واستمراريته هو إيجاد بيئة آمنة للطلاب والمعلمين، وهذا مالم يتوفر لأهالي الشمال السوري، كون الطرقات إلى المدارس ما تزال غير آمنة، حيث قصفت قوات النظام منطقة أريحا في إدلب، الشهر الماضي، وأدى ذلك إلى مقتل وجرح عدد كبير من الطلاب أثناء ذهابهم إلى المدرسة.