تنتشر صور لأطفال حديثي الولادة في مواقع التواصل الاجتماعي، تم التخلي عنهم، ورميهم على الطرقات أو في مداخل الأبنية، وأمام المساجد وبين الحقول في معظم المحافظات السورية.
في حي الجميلية بمدينة حلب، أمس الاثنين، عثر على طفل حديث الولادة مرمي أمام مدخل أحد أبنية الحي، ملتف بغطاء رقيق يكاد يكسو جسده الغض، وضع جنبه كيس شفاف يحوي ملابس للطفل.
يتشابه هذا المشهد في دمشق وإدلب واللاذقية وحمص وغيرهم من المناطق السورية، حيث يتم العثور في كل فترة على طفل مرمي في الشارع، يضاف إلى قائمة الأطفال مجهولي النسب والمصير، أحياناً يتم تبني تلك الأطفال من قبل أحد الأشخاص الراغبين في تبني ورعاية الطفل، أو يودع في دار تهتم بالأطفال وتقدم لهم الرعاية إن وجدت.
فيما ينجو هؤلاء الأطفال ويتم العثور عليهم من قبل أحد الأهالي، قبل أن يصابوا بأذى، يلقى أطفال آخرون مصيراً مأساوياً، كأن يموت من البرد أو الجوع، أو يكون فريسة للحيوانات، كما حدث مع طفل مرمي بأحد حقول مدينة “معرة مصرين” في محافظة إدلب، قبل فترة قصيرة هذا العام.
تنامي ظاهرة التخلي عن الأطفال حديثي الولادة في عموم مناطق سوريا، ماهي إلا واحدة من مفرزات الحرب، إذ لم تكن هذه الظاهرة منتشرة كما هي الآن.
ويعد الفقر وتدهور الوضع المعيشي في البلاد، أحد أبرز أسباب التخلي عن الأطفال، وعدم تحمل أعباء تربيتهم، بالإضافة إلى العلاقات غير الشرعية والتي تكون خارج إطار الزواج، وتؤدي إلى التخلي عن الطفل خوفاً من وصمة العار لكلا الطرفين.
يقول لنا أحد المحامين من ريف دمشق، رفض ذكر اسمه لأسباب أمنية، إن “انتشار المخدرات بين الشباب والنساء في دمشق، وتسهيل التجارة لها، والأمان عليها، ساهم في انتشار العلاقات غير الشرعية، وبالتالي ارتفعت نسبة وجود أطفال مجهولي النسب، متروكين على قارعة الطرقات”.
وتابع قائلا: إن “الفقر وارتفاع تكاليف الزواج في ظل الغلاء المعيشي، وتدهور الوضع الاقتصادي ساهمت في ارتفاع حالات الاغتصاب وانتشار علاقات خارج إطار الزواج، والتي أدت بدورها إلى وجود أطفال يتم التخلي عنهم”.
في عام 1970، عرف القانون السوري “مجهولي النسب”، بمرسوم تشريعي رقم 107، بأنه” كل وليد يُعثر عليه ولم يثبت نسبه أو لم يُعرف والده، بالإضافة إلى الأطفال الذين لا يوجد معيل لهم ولم يثبت نسبهم، ولا يملكون القدرة على السؤال عن ذويهم لصغر سنهم، والمولود من علاقة غير شرعية وإن كانت والدته معروفة”.
كما تم استبدال مصطلح “اللقيط” في قانون الأحوال الشخصية في سوريا، بـ “مجهول النسب” لاحقًا عام 2012، حسب ما أخبرنا به المحامي.
فيما ترى “أحلام الرشيد” مسؤولة في لجنة حماية الطفل بمنطقة “أطمة” شمال سوريا، في حديث خاص مع منصة SY24، أن “أزمة الطفل مجهول النسب معقدة ومركبة، ولا تبدأ عند ولادة الطفل، بل تسبقها بأشهر وسنوات من الزيغ إن كان انحلالًا، والظلم إن كان اغتصاباً، والجهل إن كان استهتاراً”.
وتضيف أن “علاج الأزمة لا ينبغي أن يقف عند حدود الطفل ورعايته، فهي ليست أزمة الطفل، بل لا يجب أن يبقى المصنع الذي ينتج هذا النوع من الأطفال مفتوحاً، فيكون لدينا بدل ألف طفل، مئة ألف آخرين مجهولي النسب”.
تلخص “الرشيد” من خلال حديثها معنا عدة أدوار رئيسية تقع على فئات معينة من المجتمع، للحد من انتشار الظاهرة، تقول: إن “المهمة الأولى مناطة بالوالدين ضمن نطاق الأسرة، وعليهم اتخاذ كافة التدابير التي من شأنها ضبط الإيقاع الأخلاقي في علاقات أبنائهم مع الآخرين، ثم يأتي دور المجتمع من خلال تيسير سبل الزواج على الشباب، من حيث المهور والتكاليف، وتعسير كافة منافذ العلاقات غير الشرعية والاغتصاب، واخيراً دور الدعاة والمصلحين والمعلمين في المدارس لتفعيل دور التربية قبل التعليم، فيكون هناك نشأ واعي ومسؤول عن كافة تصرفاته وعواقبها المستقبلية”.