مغيبةً في سجون العادات أو في مجتمعٌ ما يزال يمارس سطوته عليها باعتبارها غصناً غضاً قابلًا للتشكيل والقولبة على أساس عاداته وتقاليده، ثارت لتجد نفسها نازحة أو لاجئة في شتاتً لا يعرف نهاية.
هو واقع المرأة السورية اليوم وفي الأمس، والذي يدفع الكثيرات منهن للوقوف عند انتهاكات تمت ممارستها بحقهن خلال السنوات الماضية.
وعلى رغم من محاولات كثيرة ومتكررة للنجاة بنفسها، لكنّ حقوق المرأة السورية لا تزال مغيبة ومهملة، أو تخضع لموجة متاجرة علنية وسط العنف الدائر في البلاد.
وفي هذا الجانب تقول الناشطة “تولين” لمنصة SY24: “لا تزال المرأة السورية تعاني الحرمان بأخذ أبسط حقوقها الشرعية من الميراث حتى وقتنا الحالي، بسبب الموروث الاجتماعي البالي والسائد في المجتمعات الشرقية الذي يتناقض مع القيم الإنسانية، ويخالف القوانين الاجتماعية التي حرصت على تأمين حقوقها دائماً، لنجد في الواقع تطاول على حصتها تارةً من زوجها وتارة أخرى من أشقائها الذين لا يتورعون في بعض الأحيان عن إتباع شتى ضروب الأحتيال من أجل حرمانها من حقها، كما أن رضوخها للأمر الواقع يحرمها من حصولها عليه أما بسبب عاطفتها أو جهلها بحقوقها”.
وتُوضح “تولين” قائلة، إن “ظاهرة حرمان المرأة من الميراث ليست وليدة اللحظة خاصة في الأرياف الشرقية من سوريا، بل إنها تشكلت نتيجة الموروث الثقافي والسيطرة الذكورية التي تنظر للمرأة على اعتبار أن لا قيمة لها، وأنه لا يحق لها أن ترث شيئاً من تركة الأب التي هي بنظرهم حكراً للذكور فقط”.
وتتابع “فتمييز الأعراف المحلية بين النساء والرجال في الملكية، بهدف منع خروج ملكية الأراضي إلى أشخاص من خارج العائلة، والتي تسببت بخلافات أسرية ونزاعات بين الأشقاء، لا سيما بعد انطلاق الثورة”.
وتشير إلى بروز ظاهرة جديدة في مجتمعنا الآن تقوم على التمييز بين الرجال والنساء عمومًا، وخاصة النساء اللواتي قُدّر لهن الارتباط بعناصر من تنظيم (داعش)، حسب تعبيرها.
وتضيف أن “الإدارة الذاتية بما فيها المؤسسات المعنية بشؤون المرأة والكومين، ترفض الخوض في أي نقاش يخص تملك هذه الفئة، وتحيل كل قضايا الميراث لما هو سائد من أعراف وتقاليد محلية، والمفارقة تكمن هنا فيما تخلفه مثل هذه القرارات من ظلم وحرمان على أبناء هذه الفئة”.
“أم عبدالله” واحدة من نساء المنطقة تقول لمنصة SY24: “رغم تملكي على مايزيد عن 40 دونم من الأراضي الزراعية، لكنني أعمل بأجرة يومية لدى أحد المزارعين من معارف والدي”.
وتقول أيضًا “بعد انضمام زوجي لتنظيم داعش سابقاً لم يعد أخوتي يرغبون بالتعامل معي حتى أنهم أصدرو شهادة تثبت تنازلي عن كافة حقوقي في الميراث، إضافة لتزويرهم مؤخراً لشهادة وفاة بحقي لعدم قدرتي على مقاضاتهم قانويناً”.
وفي سياق كل ما تم ذكره، فإن بعض الآباء يعتبرون أن إعطاء الفتاة حصتها من الميراث هو هدر تعبهم وجهدهم طيلة حياتهم.
وفي هذا الجانب يقول “أبو أحمد” واحد من سكان المنطقة: “لست مستعداً لأن أفرط بقطعة واحدة من أرضي لشخص غريب عن العائلة فقط لأنه متزوج من ابنتي، هذا شقاء عمري وأنا أرى أن لأولادي الذكور فقط الحق في الحصول عليه، أما ابنتي فزوجها هو الذي يكفل لها معيشتها ونفقتها، وأنا متأكد بأن إخوتها لن يتخلوا عنها في حال لا قدر الله وأصاب زوجها مكروه ما”.
وفي السياق ذاته، تقول “أروى” إحدى ضحايا “التسلط الذكوري” حسب ما تصف نفسها: “منعت من الزواج بأحد الأشخاص من خارج نطاق عائلتي، والسبب كما يراه أهلي هو الخوف من ضياع الأراضي الزراعية والعقارات وذهابها لعائلة أخرى غريبة، مما أجبرني على البقاء عازبة حتى الآن”.
وفي ظروف مشابهة مع اختلاف للمشهد تقول “رقية”: ” لم أجد حلاً سوى اللجوء إلى المحاكم للحصول على حقي من الميراث الذي سلبني إياه أخوتي الذين رفضوا أن يعترفوا به، على الرغم من الفقر المدقع الذي أعيشه مع أطفالي بعد استشهاد والدهم، إلا إنهم اعتبروني متمردة وخارجة عن نمطية العيب في مجتمعنا”.
وتعقيبًا على كل ذلك يقول المحامي “مرهف”: “بالرغم من أن القانون ينص على وجوب منح المرأة حقوقها من الميراث ودلائل النصوص الدينية أيضًا واضحة فيما يتعلق بحقها، إلا أن العادات والتقاليد السائدة إضافة إلى جهل المرأة واستحيائها جعل البعض من النساء يتنازلن عن حقهن تحت الضغوطات العائلية والحياء الاجتماعي”.
وتابع أنه “للتخفيف من هذه الظاهره في المجتمع، أرى أن الحل الأمثل يكمن في اعتماد القوانين المدنية التي تحد من التمييز بين المرأة والرجل، إضافة إلى تعديل المناهج وإسنادها بالمعارف والتوعية بالمساواة بين الجنسين، وأن لا يكون التشريع الإسلامي المصدر الوحيد للقوانين، إضافة إلى تمكين المرأة بالأدوات والوسائل اللازمة للمطالبة بحقوقها”.
وأضاف: أن “هناك الكثير من المنظمات النسوية عملت مؤخراً على صياغة قوانين تخص هذا الحق، وجرّمت من خلاله الانتهاك والتعدي الحاصل، واعتبرته احتيال مخالف لشريعة الأديان السماوية، سواء بمنع المرأة عن حصوله عليه أو إجبارها على التنازل عنه بالإكراه.