على مقربة من الحدود بين سوريا والعراق، تتناثر الخيام مشكلةً دويلة صغيرة من دول مختلفة الألوان والطبائع، تتقاذفها دول العالم ويبقى الأطفال هم الخاسر الأكبر في تلك الأطروحة، أكثر من 300 طفل أعيدوا إلى ديارهم، و 9 آلاف آخرين مازالوا يعيشون حياة صعبة، يقيم الكثير من الأطفال الأيتام في كنف نساء أخذنا على عاتقهن تنشئة جيل إسلامي جديد، هكذا بدأت الناشطة “رودا” العاملة لدى بعثة الأمم المتحدة من داخل مخيم الهول، حديثها مع منصة SY24.
تقول الناشطة: إنه “على الرغم من الجهود الحثيثة التي تقدمها البعثات الإنسانية للأمم المتحدة، منذ ما يزيد عن الـ 3 أعوام إلى هذه المخيمات، إلا أنه ما يزال أطفال مخيم الهول بانتظار المجتمع الدولي لينظر في الظروف التي يكبرون فيها، والتي تفتقر إلى أبسط الحقوق من تعليم أو إنشاء مراكز لإعادة تأهيلهم ليستطيعوا العيش كأطفال طبيعين”.
وتابعت: “لم يحظى آلاف الأولاد والبنات في مخيم الهول بفرصة أن يكونوا بكل بساطة أطفال، إنهم أطفال قبل كل شيء، من حقهم الحصول على كامل الرعاية والحماية والاهتمام والخدمات، فبعد سنوات من التعرّض للعنف يشعر العديد من الأطفال بأنهم غير مرغوب بهم، مجتمعاتهم تُعيّرهم، وحكوماتهم تتجنّبهم”.
ولفتت الناشطة إلى أن “عدد العائلات المتبقية في المخيم، يبلغ 15 ألفًا و 650 عائلة، تقدر اليونيسف أن حوالي 90 % منهم على الأقل هم من الأطفال والنساء، ومعظم الأطفال في المخيم هم دون سن الـ 12، ويعتبر أولئك الأطفال هم الأكثر هشاشة، إذ أنهم خاضوا تجربة العنف الشديد وكانوا شهود عيان على خروقات لا يمكن للعقل أن يتخيلها”.
وأضافت أنها “تعتبر أن هؤلاء الأطفال لا ذنب لهم حتى إنهم لا يحاكمون جنائياً ولا قضائياً، ولكن يكبرون في ظل غياب شبه تام بأي إمكانية لإعادة تأهيلهم، وتقديم التعليم الأساسي لتمكينهم من نسيان تاريخ من زجهم في هذا الأتون”.
وفي السياق ذاته، تقول المعلمة “نوال”: إنه “رغم إنشاء إدارة المخيم بالتعاون مع بعض المنظمات الإنسانية المرافق التعليمية ومراكز الدعم النفسي، إلا أن الإقبال عليها كان ضعيفاً، معظم الأمهات يمنعن أطفالهن من ارتياد المدارس المخصصة لتأهيلهم والترفيه عنهم، وتبريرهم الدائم حول تخلف أولادهم عن التعليم، كان بسبب تدهور الوضع المعيشي، وأنه يجب عليهم العمل أو أن المدارس مغلقة بسبب كوفيد19، والعادات والتقاليد التي تفرض عليهم حرمانية الاختلاط، إضافة إلى أنهم مازالوا يزوجون بناتهم في سن مبكرة”.
وأشارت المعلمة إلى أن “عدد المرافق التعليمية تجاوز 14 مركزا في المخيم للطلاب من الفئة العمرية بين 3 إلى 17 عامًا، كما أن 40٪ من الأطفال في سن المدرسة يتلقون تعليمهم خارج المخيمات، لعدم وثوق معظم الأمهات بالعملية التعليمية في المراكز الداخلية”.
يسود الاعتقاد أحيانا أنه في حال كان الشخص يوسم بأنه “متطرف” أو “مجرم مدان” فلا حقوق له، ولكن الحقيقة أن هؤلاء الأشخاص لهم حقوق تصونها المعاهدات الدولية والقوانين المحلية، وتنطبق عليهم الأخلاقيات نفسها التي تنطبق على غيرهم.
تقول “أم عباس” التي تقيم في المخيم حتى الآن: “قلقلة على مستقبل أطفال المخيم، بمن فيهم أولادي، نريد أن يتعلم أطفالنا، يجب أن يكون أطفالنا قادرين على القراءة والكتابة والعد، ونريد لأطفالنا أن يكون لهم مرحلة طفولة، كما نريد العودة إلى منازلنا، لكننا لا نستطيع بسبب عدم قدرتنا على تأمين معيشتنا، كما إننا لا نضمن تقبل المجتمع لنا”.
أما ابنها “محمد” البالغ من عمر 14 عاما، فيقول: متى أبدأ العيش؟!، إن حياتنا بدأت “تتلاشى ببساطة”، بسبب العنف والمرض الذي يشكل خطراً يوميًا علينا، ولذلك لم يعد يهمني التعليم ولا أرغب به.
على الرغم من انخفاض وتيرة الصراع في المنطقة الشرقية، و تناقص تدفق النازحين إلى المخيم، إلا أن العنف داخله مايزال مستمراً، حيث تقول “سامية” 16عاماً: “أشعر ووالدتي بعدم الأمان عندما نتجول في المخيم، أو عند الذهاب للسوق، أو استخدام الحمامات فالشروع بالقتل والاعتداء والحرق المتعمد مايزال قائما، الناس هنا يواصلون القتال، أغلق أذني بيدي كلما سمعتهم يتشاجرون، كما لا أدع والدتي تخرج لأنهم يسحبون السكاكين على بعضهم، إضافة إلى أنهم يقسمون ويهددون، قائلين: سأمزق وجهك، وسأقطع رأسك”.
وأضافت: “لا يمكنني تحمل هذه الحياة، نحن لا نفعل شيئا سوى الانتظار”.
وتعقيباً على ذلك، تقول المرشدة الاجتماعية “نهى”، إنه “على الرغم من تضافر الجهود الأممية لمواجهة هذا الوضع الإنساني، إلا أن كل يوم يمكث فيه الأطفال وعائلاتهم في المخيمات، هو يوم آخر تفشل فيه إدارة قسد، وتثبت عدم قدرتها على إدارة هذا الوضع، كل يوم يُحرمون فيه من فرصة العودة إلى منازلهم، ويُحرمون من الخدمات التي هم في أمس الحاجة إليها، ويُحرمون من حقهم في العيش بأمان والتعافي من تجاربهم يومًا كثير جداً، فبينما يتعرض اولئك الأطفال للخطر الشديد تشتد وطأة العنف على ماتبقى من جيلهم في باقي المناطق من سوريا”.
يشار إلى أن مخيم الهول في ريف الحسكة، يضم 40 ألف طفل سوري وأجنبي، وأكثر من 62 ألف لاجئ ونازح، وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف”، بالإضافة إلى نحو 9500 عائلة من عائلات المقاتلين الأجانب المنتمين لـ “داعش”.