انتهى طريق التهريب الذي سلكته “أم فادي” السيدة الخمسينية من مدينة التل بريف دمشق، في أحد السجون بالمناطق التي تسيطر عليها “قسد” في شمال شرقي سوريا، قبل أن تصل إلى أولادها في مدينة سرمدا شمال إدلب، كما هو متفق عليه مع أحد السماسرة المختصين بتجارة تهريب البشر.
حيث تشهد مناطق سيطرة النظام، هجرة كبيرة لعدد من السكان باتجاه الشمال السوري، بسبب سوء الأوضاع المعيشية في الداخل، قاصدين الدخول إلى تركيا والدول الأوروبية عن طريق التهريب ايضاً، أو الاستقرار في محافظة إدلب كحال “أم فادي” التي اختارت المجازفة عبر طرق التهريب للقاء أولادها وأحفادها بعدما بقيت وحيدة بسبب تهجيرهم إلى إدلب قبل ست سنوات.
لم تكن رحلة لم الشمل بتلك السهولة التي يصورها سماسرة التهريب عند عرض خدماتهم وإعلاناتهم على الزبائن، كما توقعت “أم فادي”، التي أكدت في حديث خاص لمنصة SY24: “أوهمنا المهرب أن الطريق لن يأخذ سوى ثلاثة أيام فقط، ولن أتعرض لأي أذى أو اعتقال، من قبل النظام أو عناصر قسد، لكن الحقيقة غير ذلك تماماً”.
لا يذكر المهرب لزبائنه خطورة الطرق، كونها صفقة تجارية يجب أن تنجح، فيذلل لهم الصعاب، ويهون عليهم الطرقات، حتى يحصل على الدولارات المتفق عليها.
غالبا ما يكون التعامل مع المهرب بشكل سري عن طريق المعارف، وبعضها بشكل علني عبر نشر إعلانات في وسائل التواصل الاجتماعي.
“أم فادي” تلقت التعليمات من أحد أبنائها، بعد اتفاقه مع المهرب الذي سيحضرها إلى إدلب مقابل 800 دولار، وتختلف أسعار التهريب من سمسار إلى آخر، حسب الشخص وحسب الطرقات المتبعة.
تصف “أم فادي” رحلتها بأنها أصعب عشرة أيام عاشتها في حياتها، تقول لنا: “بعد خروجنا من كراجات جسر الرئيس، مررنا على عدد كبير من الحواجز،، قبل أن نصل إلى حمص، كان السائق يعطي كل حاجز مبلغاً مالياً حتى نتمكن من العبور بسلامة، وفي كل مرة كنت أرتجف من الخوف في حال كشف أمري، كان برفقتي شاب عشريني يريد أيضاً الذهاب إلى الشمال، استقبلني في حمص شخص من طرف المهرب، وركبنا على دراجة نارية باتجاه منطقة الطبقة، وصلنا إلى منزل أحد العوائل واجتمع عدة أشخاص أغلبهن من النساء حالهم كحالي، ثم قطعنا طريقاً ترابياً في الحقول الزراعية على الدراجات النارية، التي تقل الأشخاص إلى نقطة محددة”.
منصة SY24 قابلت أحد المهربين، للحديث عن بعض التفاصيل، قال لنا مع تحفظه على ذكر اسمه: “هناك عدة طرق للتهريب، منها ما يأخذ وقتاً طويلاً، بين السير على الأقدام في الحقول والجبال، وركوب قارب لقطع ضفة النهر وكل ذلك يتم بالتنسيق مع شبكة كاملة للتهريب، فمئات الحالات تأتي يومياً من مناطق النظام إلى الشمال، تتراوح أسعار هذه الطرق من 650 إلى 800 دولار”.
لا يوجد وقت محدد لوصول الأشخاص فكل رحلة لها وقت حسب ظروفها، يقول المهرب، “أحياناً يأخذ الطريق أسبوع وأحياناً عشرة أيام، حسب المناطق أو الأشخاص وظروف المناخ، هناك طرقات من الشام إلى حمص والرقة ثم منبج حتى يدخل المناطق المحررة، وهناك طرقات من الشام إلى دير الزور ثم منبج وكل طريق له وقت وتكلفة معينة”.
وأضاف أن “هناك طرق بسيارة خاصة عن طريق شخص يحمل بطاقة أمنية تابعة لفرع مخابرات، يستطيع قطع الحواجز دون تفتيش وهذا سعره أغلى من باقي الطرق، تصل أحياناً ل1200 دولار على الشخص”.
تابعت أم فادي وصف رحلتها، قائلةً: “لم أعرف المناطق التي وصلنا إليها، لكن ركبنا في قارب لقطع نهر كبير لا أذكر اسمه، وبقينا قرابة ساعة كاملة في وسط الظلام، اعتقدت أن نهايتي ستكون غرقاً في المياه، مررت بلحظات لا يمكن وصفها، حتى وصلنا بر الأمان قبل طلوع الشمس”.
ولم تكتمل فرحة “أم فادي” يعد نجاتهم من النهر، ووصولهم إلى منطقة في الرقة، ألقت عناصر قسد القبض عليهم، تقول :”تم اعتقالي أنا وجميع النساء والأشخاص الذين كانوا معي، ولاذ المهرب بالفرار”.
بقيت حوالي أسبوع في سجون قسد هي ومن معها، ثم أفرج عنهم وتابعوا رحلتهم المتعثرة بعد التواصل مع المهرب إلى أن وصلوا منبج في ريف حلب ودخلوا المناطق المحررة حيث كان أحد أبنائها بانتظارها.
هذه واحدة من المغامرات “المميتة” كما وصفتها أم فادي، أُجبر السوريون على خوضها للفرار من جحيم الحياة في سوريا، فحالة الغلاء والتدهور الاقتصادي عمت البلاد كلها، جعلت عدداً من الأهالي يسلكون طرق التهريب للخلاص من حياتهم التعيسة والبحث عن فرصة أفضل للعيش الكريم.