بات الدخول إلى عيادة الطبيب في سوريا، حملاً ثقيلاً، لا يستطيع معظم المرضى تحمل عبئه المادي، في ظل الأجور المرتفعة التي يحددها كل طبيب حسب اختصاصه، دون التقيد بتعرفة محددة من قبل الجهات المعنية.
وتختلف أجرة المعاينة من طبيب إلى آخر حسب الاختصاص، وسنوات الخبرة، ومنطقة العيادة، لتبدأ من سبعة آلاف وقد تصل لعشرين ألف في بعض المناطق.
فيما زادت هموم السوريين بعد ارتفاع أسعار الدواء أيضاً والتي بلغت 30٪ تزامناً مع زيادة الرواتب في الفترة الأخيرة.
لم يتوقع “أبو عبدالله” من سكان ريف دمشق أن يدفع مبلغ 12 ألف ليرة سورية كشفية الطبيب الذي عاينه قبل فترة، في منطقة مساكن برزة، وعند المراجعة بعد أسبوع واحد من زيارته للعيادة دفع 8 آلاف ليرة أيضاً.
يشكو الرجل الستيني من تعب عام في جسده، مع وجود مياه حول قلبه ورئتيه حسب وصفه، سببوا له ضيقاً في التنفس وشحوباً في الوجه ونحالة مفرطة في جسمه.
يقول في حديثه إلينا “الرجل اليوم يخشى دخول عيادة الطبيب أكثر من تحمل المرض، فارتفاع أجرة الكشفية في العيادات الخاصة مرتفعة جداً، وكذلك أسعار الدواء، حيث أقل وصفة دواء اشتريها ب15 وأحيانا عشرين ألف، اي أكثر من نصف راتبي التقاعدي الذي لا يتجاوز 45 ألف ويكاد لا يكفي كشفية طبيب ووصفة دواء!.
حال المريض “أبو عبدالله” تجسد معاناة شريحة كبيرة من الأهالي في دمشق وريفها، بسبب ارتفاع أجور المعاينات الطبية والأدوية أيضاً تزامناً مع شكوى مستمرة ومطالبات من قبل الأطباء برفع الكشفية وتحديد أسعار تناسب الزيادة الكبيرة التي حصلت في السنوات الأخيرة.
من جانبها تقول الطبيبة النسائية “فاطمة”، واكتفت بذكر اسمها الأول لأسباب أمنية، في حديثها إلى منصة SY24: “من غير المنطقي أن تبقى كشفية الطبيب على وضعها حسب تعرفة القديمة قبل عشر سنوات، بسبب الوضع الاقتصادي الذي شمل ارتفاع كبيراً في الأسعار شمل جميع مناحي الحياة وأجرة الطبيب واحدة منها”.
تؤكد الطبيبة أن عدداً كبيراً من الأطباء هاجروا خارج البلاد والطبيب الذي بقي اليوم يعاني من الغلاء كبقية أفراد المجتمع.
وعن ارتفاع أجرة المعاينة، ذكرت أنها “لا تقارن بما كانت عليه سابقاً فهي منخفضة جداً حيث كانت كشفيتها 700 ليرة سورية أي ما يعادل 15 دولار، بينما اليوم لا تتجاوز كشفية الطبيب خمسة دولارات”.
يلجأ المرضى إلى العيادات الخاصة بعد تجارب مريرة ومتكررة في المشافي العامة والمجانية، و كثيراً ما يتهرب المريض من الذهاب إليها حسب من التقيناهم من الأهالي، بسبب الإهمال الطبي وعدم الاهتمام بالمرض.
يقول “أبو عبدالله” بعد تجربته التي وصفها بالسيئة جداً في أحد المشافي العامة، إن “المريض يدخل بمرض واحد ويخرج بعدة أمراض وخاصة في زمن انتشار كورونا، ناهيك عن المماطلة في تقديم العلاج للمريض ومعاملتهم السيئة”.
يجبر المرضى على قصد العيادات الطبية الخاصة، للحصول على تشخيص دقيق وعلاج لمرضهم، بعد أن اختبروا عدة مراكز ومشافي عامة عجزت عن تقديم العلاج المناسب لهم كحال المريض أبو عبدالله، في حين يعتمد كثير من المرضى على استشارة الصيدلي حول المرض ويطلب منه الدواء حسب تشخيصه بعد الشرح عن مرضهم.
تقول “أمينة” أم لثلاثة أطفال ومقيمة في قدسيا بريف دمشق: “لا قدرة لي على الذهاب إلى طبيب الأطفال كلما مرض أحد أطفالي، خاصة في الشتاء حيث تكثر أمراض الرشح والسعال، فألجأ إلى الصيدلي الذي يصف لي الدواء واشتريه دون أن أتكلف أجرة كشفية الطبيب، خاصة مع موجة الغلاء وارتفاع الأسعار”.
يذكر أن رئيس فرع “نقابة أطباء سورية” في دمشق، قال في حديث سابق لصحيفة “الوطن” الموالية، إنه “تتم دراسة تعديل تسعيرة الأطباء بما فيها الوحدات الشعاعية والمخبرية والجراحية، وتحسين وضع أطباء التخدير باعتباره من الاختصاصات النادرة”.