“اختارني القدر لأعيش فاقداً للبصر في مجتمع يصنف البشر كلاً على حسب لونه وشكله ودينه، وكوني صاحب إعاقة بصرية فقد تعرضت للتنمر بشكل كبير لكنه كان دافعاً إيجابياً لي لتحدي نفسي أولاً والمجتمع ثانياً”.
بكلماته هذه أحب “عيسى الشيخ” الشاي الثلاثيني التحدث عن قصة نجاحه في مدينة الرقة مع مراسل منصتنا، وأخبره أنه أكمل جميع مراحل دراسته في مدارس “المكفوفين” في مدينة حلب، ثم تابع دراسته الجامعية قسم اللغة العربية في كلية الآداب.
ظروف خاصة لم يُفصح عنها، منعته من متابعة دراسته الجامعية، فقرر البحث عن مكان له في المجتمع، وأن يغير تلك النظرة السلبية لـ “ذوي الإعاقة” والمكفوفين.
يقول لنا :”حاولت أن أترك بصمتي في الحياة لأوجه رسالة لأولئك الذين يتوقعون فشلي، فصببت جُل اهتماماتي بالجانب الثقافي والفكري ومساعدة “ذوي الهمم” كما أحب أن أسميهم”.
مواكبة الحركة الثقافية وكتابة الشعر والنثر والمقالات السياسية والأدبية، كانت واحدة من أسباب نجاح “الشيخ” وأصبحت المنابر الخطابية ميدانه، يقف عليها مخاطباً جمهوراً كبيراً، وشريحة واسعة من أطياف المجتمع في أغلب المجالات.
كما أصبح ملهماً للعشرات من “ذوي الهمم” في مدينة الرقة ومشجعاً لهم لتجاوز إعاقاتهم المختلفة، وتكلل عمله ذلك بافتتاح مركز تعليمي خاص للأطفال “ذوي الإعاقة” السمعية والبصرية تحت مسمى مركز “الشهيد بشير الهويدي” لذوي الإعاقة السمعية والبصرية في مدينة الرقة.
كما اتخذ “الشيخ” من المكتب أرشيفاً لتوثيق مئات من حالات الإعاقة ومبتوري الأطراف جراء الحرب والقصف الذي طال المنطقة، مناشداً عبر مكتبه منظمات إنسانية محلية وعالمية لتقديم الدعم لهم، وتكلل ذلك بتركيب أطراف صناعية، وتقديم كراسي متحركة وغيرها من المعدات التي يحتاجها أصحاب الإعاقة.
يقول لنا معبراً عن فرحه :”بدأ حلمي بالتحقق بعد المناقشة الجدية لفكرتي لإنشاء المركز، فتم تكليفي بوضع برنامج شامل له وتقديم رؤيتي حول المنهاج التعليمي للأطفال وهذا ما فعلته”.
وقد أرجع “الشيخ” سبب فكرته، أنه وكثيراً من ذوي الإعاقة والمكفوفين، عانوا في سبيل تأمين احتياجاتهم الخاصة، والتنقل من منطقة لأخرى للبحث عن مكان يحتضنهم، فكانت فكرة افتتاح المركز مكاناً لاحتواء الأطفال في الرقة وعدم تعرضهم لتلك المشقات.
قرابة 130 طفل بحسب “الشيخ” انضموا للمركز في عام 2020 ليتضاعف عددهم العام التالي، ويطمح أن ينتهي العام الحالي بتسجيل 390 طفلاً من “ذوي الهمم” ليتلقوا دعماً تعليمياً ومعنوياً من خلال المركز، يمكنهم من التأقلم في مجتمعهم والتعبير عن أحلامهم ونجاحاتهم ومواهبهم المختلفة التي ظهرت بشكل واضح.
ختم الشيخ لقاؤه مع مراسلنا بأغنية من التراث الفراتي إذ أن الغناء من المواهب التي أبدع فيها، بصوته العذب، فغنى للرقة وشوارعها ونهرها، وكان مشجعاً لباقي الأطفال ومحفزاً لهم لتنمية مواهبهم سواء في الغناء و العزف و الضرب على الدف أيضاً.
وقال :”جُل حلمي العيش في مجتمع يعطي كل شخص حقه، ويصنفه حسب عطائه ونجاحه متجاوزاً إعاقته أو مرضه” .