فارق أكثر من 180 شخصاً حياتهم في مدينة دوما، يوم السبت (7 نيسان/أبريل)، اختناقاً بغاز السارين والكلور المحرمين في العرف الدولي، كما أصيب معهم أكثر من ألف آخرين جلهم نساء وأطفال، وجاء هذا بعد حملة إبادة استخدم فيها جميع أنواع الصواريخ والقنابل، لقتل من رفض مشروع التهجير القسري، والمفارقة أن بشار الأسد استخدم السلاح الكيماوي بالتزامن مع الذكرى الأولى لقصف واشنطن لمطار الشعيرات (7-4-2017) رداً على مجزرة خان شيخون التي قضى فيها أكثر من 100 مدني اختناقاً أيضاً، وهو هنا يوصل رسالة للعالم بأن كل التهديدات الوهمية لا تساوي عنده “قشرة بصلة” لما لا وهو الذي قتل مئات الآلاف وشرد الملايين دون أن يرف لساسة العالم جفن.
أمضى العالم ليلته أمس يشاهد صور عائلات كاملة قتلت اختناقاً، أو بما بات يعرف بـ “الموت الصامت”، وهو ليس كذلك بقدر صمت وتجاهل المجتمع الدولي بجميع قواه ومنظماته، ولم تقف الأمور عند هذا الحد، فالمجزرة جاءت بعد جملة من الإشارات والإيحاءات التي تتحدث عن تأكيد بقاء بشار ونظامه في حكم سوريا، بدءاً من حلفائه وانتهاء بما كانوا يطلقون على أنفسهم “أصدقاء الشعب السوري” كتصريح ولي العهد السعودي قبل أيام الذي تمنى أن يكون الأسد أكثر قوة!.
التواطؤ الدولي أوصل نظام بشار الأسد إلى مرحلة اتهام الضحايا باستخدام السلاح الكيماوي لقتل أنفسهم، حتى أنه بات يتنبأ بحدوث الهجمات قبل وقوعها بأيام، فمندوب النظام بشار الجعفري قال في الأمم المتحدة إن لديهم أدلة على أن أهالي الغوطة سيقدمون على استخدام الكيماوي للضغط على العالم لكي يتدخل، (سيقتلون أنفسهم وبعدها يتفرجون على حماية المجتمع الدولي كيف سيقتص لهم!)، كما أن الإعلامي الإيراني “حسين مرتضى” ألمح لهذا الهجوم قبل ساعات.
في 21 تشرين الأول 2016 تسلم مجلس الأمن تقريراً سرياً للجنة “الآلية المشتركة للتحقيق” خلص إلى أن جيش بشار الأسد شن هجمات بغاز الكلور على ثلاث بلدات هي قميناس (16 آذار/مارس 2015)، وتلمنس (21 نيسان/أبريل 2014) وسرمين (16 آذار/مارس 2015) في محافظة إدلب بشمال غرب سوريا، وفي 10 أيلول 2014، محققو منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أكدوا أن غاز الكلور استخدم كسلاح كيميائي بشكل “منهجي ومتكرر” في قرية كفرزيتا في محافظة حماه والتمانعة وتلمنس في إدلب.
كما اتهمت لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة في نهاية الشهر نفسه سلطات الأسد باستخدام أسلحة كيميائية “على الأرجح الكلور” ثماني مرات في غرب البلاد، كلها أدلة دامغة ورغم ذلك واصلت الدول الكبرى صمتها متذرعة بنقص التحقيق ووجوب الوصول إلى أدلة حول استخدام هذا السلاح!
عندما يضيق صدر الإنسان يبحث عن هواء نظيف يريح به صدره، كيف بحث أهل دوما يوم أمس عن هواء نظيف بعد اختناقهم بغازات الأسد؟ ما أصعب الموت خنقاً، وما أصعب موت ضمير الشعوب التي سقطت حكوماتها أخلاقيا بعد أن حللت أنواعاً من الموت للسوريين وحرمت أخريات، فموت البراميل والصواريخ والقنابل العنقودية والفسفورية حلال في عرف المجتمع الدولي، لكن استخدام الكيماوي يعد من المحرمات، ولهذا سارعت واشنطن إلى نزع سلاح المجرم بشار الأسد بعد مجزرة الغوطة الكيماوي الأولى في (21-8-2013) والتي عرفت بمجزرة العصر (أكثر من 1500 شهيداً)، وهي طبعاً فعلت هذا ليس خوفاً على الشعب السوري (فهو بكل الحالات سيموت بهذا السلاح أو بغيره) لكنها تخاف على إسرائيل وأن يصل جنون حب صناعة الموت إلى أراضيها.
في مدينة دوما الوحيدة كثورة أهلها، تهرع النساء بأطفالها إلى الملاجئ هربا من حمم الصواريخ والبراميل والقنابل، ليجدوا أمامهم موتاً أشد مرارة ووجعاً من الذي هربوا منه، موتاً تسلل إلى مخابئهم وانقض على أرواحهم بعد أن حول هوائهم إلى سم زعاف، ليتحولوا في لغة عالمنا القاصر إلى أرقام، كما كان السابقون من أهل خان شيخون ومعضمية الشام وداريا وعشرات المدن والبلدات السورية.
في مدينة دوما الوحيدة كثورة أهلها، تهرع النساء بأطفالها إلى الملاجئ هربا من حمم الصواريخ والبراميل والقنابل، ليجدوا أمامهم موتاً أشد مرارة ووجعاً من الذي هربوا منه، موتاً تسلل إلى مخابئهم وانقض على أرواحهم بعد أن حول هوائهم إلى سم زعاف، ليتحولوا في لغة عالمنا القاصر إلى أرقام، كما كان السابقون من أهل خان شيخون ومعضمية الشام وداريا وعشرات المدن والبلدات السورية.