تعد مهنة تربية النحل في الرقة من أقدم المهن التي تشتهر بها المحافظة، وذلك بسبب تواجد مساحات واسعة من الأراضي والبساتين المزروعة بمختلف أنواع الأشجار والأزهار التي يتغذى عليها النحل، بالإضافة إلى طبيعة مناخ المنطقة المعتدل والذي ساهم بشكل كبير في زيادة إنتاج العسل والمواد المشتقة منه في المنطقة، خلال العقود الماضية.
الحرب الطويلة التي شهدتها المنطقة والآثار السلبية المترتبة عليها، تسببت بتراجع واضح في عدد مزارع النحل بالمنطقة، ولاسيما بعد تناقص مساحات الأراضي الزراعية بسبب ارتفاع تكاليف زراعتها، وهجرة معظم الأيدي العاملة وأصحاب المزارع القديمة من المنطقة نتيجة الوضع الأمني السيئ الذي تعيشه منذ سيطرة تنظيم داعش على المنطقة وحتى يومنا هذا.
“اسماعيل الصالح”، من أبناء مدينة الرقة وأحد أقدم مربي النحل فيها، ذكر أنه “بدأ مهنته في تربية النحل كهواية وزينة لبستانه الصغير الواقع في منطقة الكسرات في ريف الرقة الجنوبي، ثم ما لبثت هذه الهواية أن تحولت إلى مهنة أساسية يعمل بها مع عائلته لزيادة دخله المادي”، على حد تعبيره.
وفي حديث للصالح مع منصة SY24 قال: إن “تربية النحل تنتشر بكثرة في مدينة الرقة، نتيجة لكثرة البساتين وتنوعها و انتشار الزراعة المروية والغطاء النباتي فيها، إضافة لزراعة الخضار والقطن وأشجار الفواكه التي تؤمن بمجملها بيئة ملائمة لتربية النحل الذي يتغذى على الأزهار المتنوعة”.
وأضاف أن “هناك انتقالات فصلية ضرورية لتربية النحل بين المناطق لتأمين كامل أنواع الغذاء للنحل، حيث يعمل مربو النحل على التنقل بين أرياف بلدات عين العرب وتل أبيض في بداية فصل الربيع لتأمين بعض أنواع النباتات الشوكية وعلى رأسها المرير، إلا أن الظروف التي يعيشونها ووقوع المناطق على خط القتال جعلهم يتوقفون عند الأماكن التي يضعون بها مناحلهم فيها أول مرة في مدينة الرقة”.
وتابع: “لم تقتصر المشكلة بالتنقل فحسب بل أضاف غلاء الأدوية للنحل وندرة الأصناف الجيدة منها، مشكلة أخرى لهم، وعدم التنسيق بين المربين والمزارعين الذي يقومون برش حقولهم بالمبيدات الحشرية القاتلة للنحل، حيث خسر المربون مئات النحل نتيجة رش الأراضي بالمبيدات دونما إخطارهم أو اتخاذ التدابير المناسبة لذلك”.
ونتيجة لهذه المشاكل التي تواجه هذه المهنة فقد قام العشرات من مربي النحل بترك مهنتهم والاتجاه إلى عمل آخر نتيجة الظروف الصعبة التي يعانون منها، وضيق الحالة الاقتصادية عليهم وعدم تلقيهم الدعم المناسب، من حرية التنقل بنحلهم، أو دعمهم من مكتب الثروة الحيوانية وبالذات بعد مطالبتهم بإصدار قانون يمنع رش الأراضي بالمبيدات دونما إخطار مربي النحل المتواجدين بالقرب منها.
ويصل إنتاج كل خلية من خلايا النحل التي يتم الإعتناء بها بالشكل الصحيح الى ما بين 10-15 كغ سنوياً، ويُباع العسل الأصلي غير المغشوش بأي مواد أخرى بما يقرب ال45 ألف ليرة سورية، لكن “الصالح” وغيره من مربي النحل يضطرون لبيعه ب25 ألف ليرة سورية فقط لعدم استطاعتهم على تخزينه أو تصريفه بشكل جيد.
وبحسب اتحاد النحالين العرب، فإن إنتاج سوريا قبل الحرب بلغ ما يقارب الـ 3000 طن سنوياً، إلا أن هذه النسبة انخفضت إلى ال600 طن فقط بعد اندلاع الثورة السورية، الأمر الذي صعّب على النحالين الاعتناء بالنحل والتنقل به بين جميع المناطق التي تقع تحت سيطرة جهات ودول مختلفة في المنطقة.