دفع الواقع الذي يعيشه السوريون عامّة، في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية والطبية وغيرها من الظروف والأزمات الأخرى في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، إلى ضرورة أن تتشكل أجسام إغاثية تساهم في مدّ يد العون لهم وبخاصة لمن هم مهجرين ونازحين في المخيمات، حملت اسم “منظمات المجتمع المدني”.
ولعبت دوراً بارزاً في الشأن الإنساني أو التنموي، الذي اتسم بتحقق أحد المعايير التي تشكل استجابة لواقع الحرب التي شنها النظام على السوريين المناهضين لحكمه.
وكان من اللافت للانتباه، قدرة هذه المنظمات على الصمود رغم المسؤولية الكبيرة ذات الطابع الإغاثي والاجتماعي الملقاة على عاتقها، والتي مكّنت سكان المناطق الخارجة عن سيطرة النظام شمالي سوريا بالتحديد من مقاومة الانهيار في ظل الحرب التي اندلعت عام 2011.
ومع تزايد أعداد النازحين في الداخل السوري، واللاجئين في دول الجوار وبخاصة تركيا، يبرز دور منظمات المجتمع المدني لتحسين أوضاع السوريين معيشيا واقتصاديا وخدميا، رغم قلة الإمكانات والموارد التي تتزايد مع تفاقم معاناة السوريين بشكل ملحوظ.
ويُنظر إلى منظمات المجتمع المدني على أنها منظمات جيدة تحاول التطور والنضوج، حيث تمكنت من النضوج والتطور بشكل أسرع من الحكومات واللجان المحلية رغم قلة الدعم، وأصبح هناك نواة شبابية قادرة على الاستجابة بشتى الطرق لأي نوع من الأزمات الإنسانية، وبات يعول عليهم في أي مشاريع تعليمية ومجتمعية محلية، وكانت المسؤولية المجتمعية واضحة وهي الركيزة الأساسية لتذليل أي صعوبات موجودة.
وفي هذا الجانب، أشادت “رانيا ميداني” المديرة التنفيذية في “المنتدى السوري”، بالجهود التي تبذلها منظمات المجتمع المدني السورية، لافتة إلى أنها سعت للقيام بواجباتها بشكل كبير في ظروف قاسية للغاية خلال سنوات طويلة من الثورة السورية.
ولفتت “ميداني” إلى أن “العمل الإغاثي والإنساني في الشمال السوري يحتاج إلى جهد منظّم تدعمه حكومات ودول”.
كلام “ميداني” جاء في حوار خاص مع منصة SY24، واستهلت “ميداني” الحوار بالتعريف عن “المنتدى السوري” الذي تأسس منذ ما يقارب 10 أعوام، وقالت: “نحن أولاً وقبل كل شيء مؤسسة سورية غير ربحية بدأنا العمل في ظروف قاسية للغاية من العمل الإنساني والإغاثي، واستطعنا أن نقدم خدمات إنسانية خلال ما يقارب 10 أعوام من العمل الميداني والخدمي والإداري والفكري بقيمة 280 مليون دولار أي أكثر من ربع مليار دولار”.
وأضافت “نسعى دوماً لخدمة القضية السورية وتمكين المجتمع السوري وبناء مستقبل الأفراد ودعمهم في مجالات الحياة كافة، وعلى كافة المستويات الاجتماعية، الثقافية، الاقتصادية، وهدفنا كمشروع تمكين بناء مجتمع قائم على القدرات الذاتية وذلك من خلال برامجنا الخمسة التي قمنا بتأسيسها وبذلنا جهداً كبيراً للعمل على إنجاحها ومازلنا مستمرين بذلك، كما أنه لدينا فريق عمل وعائلة تضم ما يقارب 1600 عضواً وعدد من المكاتب الموزّعة بين سوريا، تركيا، الولايات المتحدة الأمريكية، النمسا، وقطر”.
وعن أهم المشاريع والبرامج التي يعمل عليها “المنتدى السوري”، أوضحت “ميداني” قائلة: “المنتدى السوري ينفذ مجموعة من الأعمال والبرامج عبر المؤسسات التنفيذية التابعة له، فعلى سبيل المثال مؤسسة الإغاثة والتنمية التي تعمل على تقديم الخدمات الإنسانية للسوريين والسعي للتخفيف من معاناتهم، بالإضافة إلى تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال عدة مشاريع تنفذ ضمن قطاعات الأمن الغذائي، المياه، والتعليم، بالإضافة إلى مشاريع دعم البنية التحتية، مثل إعادة تأهيل محطات المياه في عدد من المدن وإعادة ترميم وبناء المدارس”.
وأشارت إلى أنه “تم ترميم ما يقارب 35 مدرسة في الشمال السوري حتى تكون جاهزة قبل بداية الموسم الدراسي القادم”، مبينةً أن “مؤسسة إحسان دور هام ورائد في مجال إدخال المساعدات الإنسانية بالتعاون مع المنظمات الدولية”.
وتابعت بالقول: “أيضاً مركز عمران للدراسات الاستراتيجية وهو إحدى مؤسسات المنتدى القائم على البناء العلمي والمعرفي لسورية والمنطقة دولة ومجتمع، إذ يعمل المركز على إصدار العديد من المخرجات من أوراق بحثية، مؤتمرات بحثية، مشاركات إعلامية، ووضع خرائط، وقد حاز مركز عمران خلال سنوات على ثقة وتعاون كبير مع عدد من المنظمات البحثية الدولية وهو رائد في مجال تدريب وإعداد الباحثين السياسيين السوريين”.
وذكرت أن من المشاريع الأخرى “برامج التمكين الإقتصادي (رزق) ومشاريعه القائمة على التأهيل المهني، الاستشارات القانونية، إيجاد فرص عمل، خلق فرص عمل، ودعم رواد الأعمال، وأخيراً التنمية والإبداع ( مركز البوصلة) ومشاريعه القائمة على بناء وتطوير القدرات، تمكين المرأة والشباب، تعزيز التماسك المجتمعي وبناء السلام، والتنمية المدنية وتعزيز المشاركة المجتمعية”.
وسألنا “ميداني” عن مصادر الدعم المالي التي يحصل عليها المنتدى وأبرز الشركاء الدوليين الذين تعتمد عليهم وفي ما إذا كان لديهم تمويل ذاتي، خاصة في ظل انحسار الدعم الدولي للقضية السورية بشكل عام على جميع المستويات السياسية والخدمية، أوضحت قائلة: “لدينا شركاء وقاعدة واسعة من المتبرعين دائمين يقومون بدعم مشاريع المنتدى السوري بشكل مستمر نتيجة الثقة التي بنيناها خلال سنوات طويلة من العمل المشترك ضمن شفافية ومصداقية عالية وتنفيذ للمشاريع وفق معايير دولية، وهذا ليس أمراً سهلاً على الإطلاق، إضافة إلى الدعم الذي يأتي من عدة شركاء دوليين مثل اليونيسف، أوتشا، مؤسسة الملك سلمان الخيرية ، قطر الخيرية، GIZ ، GOAL، CARE، وغيرهم من الداعمين”.
وزادت بالقول: “لاشك أن الدعم الدولي بحالة انحسار دائم نتيجة العديد من المتغيرات الصعبة والظروف الدولية التي لا نستطيع التحكم بها ونعتبرها خارجة عن السيطرة”، مضيفةً “لكننا نسعى جاهدين لزيادة التمويل الذاتي من خلال تواصلنا مع الجاليات السورية في أمريكا وأوروبا ودول الخليج العربي”.
وأكدت أنهم كمؤسسة تسعى لأن يكون هدفها “العمل الإنساني والخدمي بشكل أساسي لإيجاد طرق وبدائل من خلال التمويل الذاتي لتأمين الاستدامة المالية”.
وعن إمكانية أن يكون “المنتدى السوري” جزءاً فعالاً من عملية تحريك العجلة الإقتصادية الداخلية، أكدت “ميداني” قائلة: إن “المنتدى السوري ليس مؤسسة تبحث عن حل مؤقت أو مؤسسة تعمل ضمن ظروف مرحلية، نحن مؤسسة ذات طابع خدمي ولكننا نعمل ضمن استراتيجية ومشروع طويل الأمد”.
وأضافت أن “جميع المشاريع والبرامج التي نعمل عليها قائمة على تنمية قدرات الأفراد وتأهيلهم لبناء مستقبل قائم على القدرات الذاتية، وذلك عبر برامج التوظيف والتدريب، وتنفيذ مشاريع التنمية المُستدامة والتعليم التي تشمل بناء وتأهيل المدارس وتدريب الكوادر التعليمية بالإضافة إلى الدراسات الاستراتيجية وغيرها”.
ولفتت إلى دعم قُدرات المجالس المحلية من خلال شركائها في وحدة المجالس المحلية، إضافة إلى تقديم جملة من الحلول والسياسات الدافعة للتغيير السياسي والاستقرار، مشيرة إلى أنهم قادرون كفريق تخطيط وإدارة أن نكون جزءاً فعالاً وقوياً وشريكاً محلياً موثوقاً للمنظمات الدولية التي ستعمل ضمن هذا الإطار، حسب تعبيرها.
وعن ردها على سؤال “هل يُعتبر المنتدى السوري شبكة متكاملة تضم جميع الجوانب التي تؤثر بالرأي العام السوري حتى يكون له مكانة مضمونة في سوريا المستقبل؟”، قالت “ميداني”، إن “مشاريع المنتدى السوري ككل هي مشاريع (تمكين المجتمع وبناء المستقبل) وهذا هو مشروعنا وهدفنا الأساسي، نحن لسنا مشروع سياسي أو مشروع له أهداف من هذا القبيل، ومنذ أن بدأنا العمل قبل 10 سنوات وضعنا ضمن استراتيجيتنا كمشروع وطني سوري العمل على إيجاد الكوادر الخلاقة والقوية لدى الشعب السوري لتوظيفها بما يخدم المصلحة العامة في الظروف الحالية ضمن مجموعة من الاختصاصات للعمل في المستقبل القريب والبعيد في بناء سوريا المستقبل”.
وتابعت أن “تمكين المجتمع وإعادة تأهيله وتدريب الكوادر وبناء المؤسسات بشكل يستحقه الشعب السوري هو مشروعنا الحالي والمستقبلي، ونحن نؤمن أن طريقنا طويلة ولكنها ليست مستحيلة لأن الشعب السوري قادر على ذلك”.
واعتبرت أن “أفضل وأروع أشكال الاستثمار هو الاستثمار ببناء قدرات الإنسان وتطويره، وإن كان الهدف الأساسي هو الاستثمار بالإنسان لبناء سوريا سيكون لعملنا معنى أسمى وأروع”.
وفي ختام حديثها، تطرقت “ميداني” إلى منظمات المجتمع المدني السورية ودورها الفعال الحقيقي في سوريا، وأوضحت أنه “لا شك أن منظمات المجتمع المدني السورية سعت للقيام بواجباتها بشكل كبير في ظروف قاسية للغاية خلال سنوات طويلة من الثورة السورية، إدخال المساعدات الإنسانية ودعم النقاط الطبية والمشافي ودعم برامج التعليم والعمل على مشاريع البنية التحتية في بعض المناطق، بالإضافة إلى مشاريع التمكين المجتمعي ودعم الأطفال والمرأة وإعادة التأهيل النفسي، بالإضافة إلى الدفاع المدني”.
وبيّنت أن “كل هذه المشاريع التي تم تنفيذها في الداخل السوري أشرفت عليها منظمات المجتمع المدني السورية”.
وعن الحلقات المفقودة في هذا المجال إن وجدت، أفادت “ميداني” بـ “أنها كثيرة وذلك بسبب الحاجة الكبيرة للخدمات مقارنة بما نستطيع العمل عليه كمنظمات بشكل جماعي”.
وختمت بالقول: إن “العمل الإغاثي والإنساني في الشمال السوري يحتاج إلى جهد منظّم تدعمه حكومات ودول لأن الحاجة كبيرة للغاية، ولكننا مازلنا نعمل في ظل هذه الظروف لأننا مؤمنون بضرورة الاستمرار في دعم أهلنا بالداخل السوري مهما كانت الظروف والاستحقاقات الدولية القادمة”.
يشار إلى أن رؤية “المنتدى السوري” تتركز على “السعي إلى خدمة القضية السورية في مجالات الحياة كافة، وتمكين أهلها من تجاوز التحدّيات، تمهيداً لبناء مجتمع العدل والكرامة القائم على القدرات الذاتية”، حسب الموقع الرسمي للمنتدى على الإنترنت.