أشد أنواع التعذيب.. ناجيات من سجون النظام في مواجهة ندبات الاعتقال

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - SY24

طوت “لمياء” 38 عام، ابنة مدينة حمص، ثلاث سنوات ونصف من عمرها في سجون النظام، تنقلت خلالها بين عدة أفرع أمنية، منها الأمن العسكري، وفرع الجوية، وفرع فلسطين، وذاقت أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، التي كانت كفيلة بترك ندبات في ذاكرتها، لم تستطيع التغلب عليها إلى بعودتها إلى العمل في مهنة التمريض التي تحب، والتي كانت سبباً رئيسياً في اعتقالها.

في حديث خاص إلينا، تروي “لمياء” أسباب الاعتقال، تقول “كنت أعمل ممرضة في أحد المشافي الميدانية في حمص، أداوي الجرحى وأنقذ الأطفال، وأساهم في علاج المصابين من أبناء بلدي، إلى أن تمكن النظام من اعتقالي، منزلاً بحقي تهم ارتكاب أعمال إرهابية بسبب عملي في المجال الطبي آنذاك”.

خرجت “لمياء” من الاعتقال، وقد خسرت ثلاث سنوات ونصف من عمرها، قضتها بالتعذيب والتعنيف ما جعلها تعيش حالة نفسية صعبة إلى حين تغلبها على ذلك بعودتها إلى الدراسة والعمل كنوع من الاندماج في المجتمع مرة أخرى. 

تخبرنا أنها واجهت المجتمع بالعمل على تقوية خبرتها في التمريض، وقررت العودة للدراسة مرة أخرى، فدرست دبلوم التقاني الطبي “قبالة” في معهد “سامز” بمدينة “الأتارب” في حلب، وتخرجت منذ أشهر واستطاعت الحصول على فرصة عمل في أحد المشافي بالمنطقة، وكانت نقطة انطلاق جديدة لحياة جديدة. 

تعبر” لمياء” عن إنجازها في نجاحها بالعلم والعمل وهي أم لخمسة أطفال، أن الارادة تصنع المستحيل، رغم ظروفها استطاعت إكمال طريقها في الدراسة وتخرجت بمعدل جيد وهذا ما جعلها تشعر بالقوة من جديد. 

تقول عاملة الدعم النفسي والاجتماعي “سوسن الطويل” في حديث خاص معنا، من خلال تعاملها مع الناجيات : إن “انخرط الناجية بميدان العمل، هو أحد الطرق العلاجية لخروجها من الحالة النفسية التي تسيطر عليها بعد الاعتقال، إذ تفقد الناجية شبكة الأمان الاجتماعية في محيطها ، إذ تتركز أسئلتهم عن الانتهاكات التي تعرضت إليها خلال اعتقالها، فتحدث هذه الذكريات رضوضاً نفسية وإعادة اختبار الصدمة التي تنعكس بشكل سيء على نفسيتها، وبالتالي فإن العودة للعمل أو التعليم هو أبرز خطوات التمكين الاجتماعي للمرأة الناجية ومواجهتها المجتمع بكامل قوتها”.

“لمياء” واحدة من آلاف النساء المعتقلات اللواتي  تعرضهن لانتهاكات جسيمة في سجون النظام، وما تزال إلى اليوم آلاف أخريات، يتعرضون لمختلف أنواع التعذيب والترهيب، فبعد نجاتهم من الاعتقال تبحث فيه الناجيات عن طرق للعودة إلى الحياة الطبيعية، والاندماج في المجتمع، للوقوف في وجه الوصمة الاجتماعية التي قد تواجه إحداهن. 

لم تكن الشابة الناجية “ناديا” 28 عام، أكثر حظاً من “لمياء” ولكنها سلكت درب التعليم الجامعي عقب خروجها من الاعتقال و انخرطت في الأعمال الإنسانية، التي اكسبتها قوة في شخصيتها حسب قولها. 

اعتقلت “ناديا” من بلدتها في ريف إدلب الجنوبي، أثناء ذهابها للجامعة قبل ثماني سنوات، وتنقلت بين عدة أفرع أمنية في حلب، لتخرج بعد عامين من اعتقالها منكسرة، وتعاني من حالة نفسية صعبة. 

تقول في حديثها إلينا، “خرجت من السجن وقد خسرت كل شيء، دراستي، سنتين من عمري، وشخصيتي القوية، وحبي للحياة، خرجت ووجدت كثيراً من الأشياء حولي قد تغيرت”.

لم تتوقف الحياة عند “ناديا” رغم يأسها وحالة الصدمة التي سيطرت عليها مدة من الزمن، لكن من خلال احتواء عائلتها لها، استطاعت الاندماج مجدداً بمحيطها وعادت لإكمال دراستها. 

حصلت على درجة الماجستير في إدارة الأعمال، ومن ثم التحقت بمنحة تعليمية بالجامعة الأمريكية في بيروت بمجال الإعلام وتخرجت، كانت نقطة انطلاق لها في المجال الإعلامي. 

تقول لنا “مكنني دخولي في الإعلام من أن أكون صوت الناجيات المسموع، وصوت المعتقلات لأروي قصصهم للعالم، وأطالب بحريتهم بالوقت الذي تعد قضية المعتقلين في سوريا واحدة من أبرز القضايا التي نكافح من أجلها”. 

“ناديا ولمياء” نساء من آلاف الناجيات اللواتي اصطدموا بصخرة الواقع والمجتمع عقب خروجهن من الاعتقال، ولم يكن أمامهن سوى العودة إلى الدراسة والعمل لتجاوز الصعوبات التي واجهتهن واستطعن أن يكّن نموذجاً حياً للمرأة السورية القوية التي تغلبت على ظروف الحرب والنزوح والاعتقال، وأصبحت فاعلة في المجتمع

يذكر أنه في آخر إحصائية لـ “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، قالت إن 9774 امرأة ما زلن قيد الاعتقال والاختفاء القسري، ومنهن 8096 مغيبات في سجون ومعتقلات النظام، وأن عدد المعتقلين المفرج عنهم مؤخراً، بلغ 341 شخصا، من بينهم 44 امرأة.

مقالات ذات صلة