مَثل مؤسس فيسبوك مارك زكربيرغ منذ أيام أمام لجنة متخصصة في الكونغرس الأمريكي تحقق في دور المعلومات التي جمعها فيسبوك عن مستخدميه في الانتخابات حول العالم، بعد ظهور فضائح توحي بأن فيسبوك يشارك معلومات عن مستخدميه تتضمن ميولهم السياسية تستخدم للتلاعب بالانتخابات.
شرح زكربيرغ في شهادته الأولية أن فيسبوك تأسس ليكون أداة “للتواصل مع من نحب، لإيصال الصوت ولبناء المجتمعات والأعمال” ولكن هذه الأداة حملت معها مخاطر، يبدو أن زكربيرغ لم يأخذها في الحسبان أو على الأقل هكذا ادعى في شهادته: “من الواضح أننا لم نقم بما يجب لمنع هذه الأدوات من أن تستخدم للأذى. ومن ضمن ذلك: الأخبار الكاذبة والتدخل الأجنبي في الانتخابات وخطاب الكراهية، بالإضافة إلى خصوصية التطوير والمعلومات. لم نأخذ بعين الاعتبار حجم مسؤوليتنا، وكانت هذه غلطة كبيرة”.
واعتبر زكربيرغ أنه يتحمل المسؤولية عن هذا الخطأ، واعتذر عنه. كما أوضح أنه وصل لاستنتاج بناء على ما يجري اليوم: “لا يكفي أن نصل الناس ببعضها، علينا أن نتأكد من أن هذا التواصل إيجابي”.
انتشر بالتوازي مع كلمة زكربيرغ بيان من أفاز، تناقله سوريون للتوقيع عليه، وهو عبارة عن رسالة إلى زكربيرغ والمشرعين ومدراء شركات الإنترنت، يطالب بالتالي:
قول الحقيقة كاملةً حيال الحسابات المزيفة وحملات التضليل الإعلامي، وتضمينها عمليات تدقيق مالية مستقلة. حظر جميع الحسابات العائدة لمستخدمين مزيفين أو وهميين. إخطار المستخدمين في كل مرة يشاهدون فيها منشورات لمحتوى كاذب أو خبيث، وتصحيح المعلومات الخاطئة الواردة في هذه المنشورات. تمويل عمليات كشف الأخبار المزيفة.
هنري جنكينز أحد أبرز منظري الإعلام المعاصر، ورغم حماسته الشديدة لوسائل التواصل الاجتماعي، يوضح في كتابه “ثقافة التجمع” (Convergence Culture): “لا يمكن اعتبار كل المستخدمين متساوين. الشركات -بل حتى الأفراد ضمن الشركات الإعلامية- يمتلكون سلطة أكبر من أي مستهلك فرد أو حتى من مجموع المستهلكين”.
في ظل هذا الميزان من توزع القوى، إن المستخدم السوري لفيسبوك المنحاز للثورة السورية يعتبر من أضعف المستخدمين الأفراد، وقد يكون في أسفل ميزان القوى على فيسبوك.
لا بد من التوضيح أن المسألة هنا تنقسم إلى موضوعين منفصلين وكلاهما يخص المستخدم السوري، الأول متعلق بحماية خصوصية المستخدمين، والثاني يتعلق بفرض الرقابة على المحتوى.
حماية خصوصية المستخدمين ضرورية لاستمرار منصة فيسبوك بالعمل، لأن فقدان الثقة بين الشركة والمستخدمين سيؤدي إلى تراجع كبير في أعداد المستخدمين، أو إلى تغير في طبيعة المحتوى الذي يشاركونه، في حال لم يعد لديهم إيمان بأن معلوماتهم ستكون محمية.
كما أن حماية المستخدمين الأضعف من أخطار قد تصل إلى حد تهديد الحياة واجب من واجبات شركة فيسبوك، لا سيما في حالات خاصة، كالمعارضين الذين يعيشون في الداخل السوري تحت سيطرة النظام، وفي إطار حقهم بالحماية، لا بد من السماح لهم باستخدام الأسماء الوهمية، لذا ليس من مصلحتنا كسوريين الانضمام إلى حملة آفاز التي تطالب بإلغاء الحسابات الوهمية.
إن استخدام حق الخصوصية، وخلطه بمخاطر حرية التعبير غير المنضبطة، ومنها الأخبار الكاذبة وخطاب الكراهية، أمر لا بد من التوقف عنده، وفصله بدقة، لأن الإرادة السياسية التي ترغب بفرض رقابة على فيسبوك منفصلة كليًا عن حق الخصوصية.
تترافق حرية التعبير المطلقة مع مخاطر كبيرة، ولكن الرقابة على المحتوى لن تمس إلا المستخدمين الأضعف، وعلى السوريين الثوريين أن يحاربوا هذا الميل إلى فرض الرقابة لأنه سيؤدي بالمحصلة إلى حظر كل المحتوى الذي يقومون بنشره بحجة أنه أخبار كاذبة، لأن التأكد من صحته مستحيلة.
ولكن السؤال هنا، كيف نستطيع محاربة هذا التوجه الذي تدعمه أكبر الإرادات السياسية؟ تبدو الأدوات المتاحة لنا في هذا المجال ضئيلة جدًا، ولكننا على الأقل يجب ألا نوقع على بيانات تضر بمصلحتنا، وأن نحاول قدر الإمكان أن نتجمع كمستخدمين لنستطيع تشكيل تيار ضاغط، لأن ضعفنا كأفراد يبقى أكبر كثير من ضعفنا كمجموعة تحاول مواجهة الإرادات السياسية العالمية سواء في العالم الافتراضي أو الواقعي.