ما تزال أصداء الخطوات التي اتخذتها هيئة تحرير الشام بحق قناة “أورينت” والمراسلين التابعين لها في الشمال السوري تتصدر واجهة المشهد، بحسب كثير من الجهات المدافعة عن حقوق العاملين في مجال الصحافة والإعلام.
وكانت هيئة تحرير الشام أوقفت هيئة تحرير الشام عمل مراسلي “أورينت” في الشمال السوري لعدد من الأسباب أهمها: سياسة البلطجة الإعلامية التي يصر عليها مالك القناة، سياسة إدارة القناة اللامهنية، اتباع أساليب البروباغندا الرخيصة، استخدامها وصف (ميليشيات) مع الفصائل الثورية التي تضحي بدمائها وكل ما تملك من أجل حفظ المناطق المحررة، توجيه متعمد يصر عليه ممول القناة بغية الإساءة للثورة السورية ولكل ما فيها من مكونات وعاملين خدمة لنظام الأسد والتطبيع معه، حسب مصادر محسوبة على الهيئة.
وتساءلت الهيئة بحسب ما نقلت عنها مصادر محسوبة عليها “إلى أين تسير أورينت بعد أن أصرت على التخلي عن روحها الثورية، وانقلبت على ما كانت تدعو إليه بيوم من الأيام، وبعد أن نزعت كل معايير المهنية والأخلاق الصحفية، وأصبحت أداة للدعاية الرخيصة كنموذج لقناة الدنيا”.
ولاقت هذه الخطوة ردود فعل ساخطة من قبل جهات حقوقية وإعلامية، إذ أدانت رابطة الصحفيين السوريين إن قرار هيئة تحرير الشام المتضمن منع مؤسسة وقناة أورينت من العمل في مناطق سيطرتها وسحب التراخيص الممنوحة لكوادرها مهما كانت ذرائعه ومبرراته، معتبرة أن ذلك يعبر عن سياسة تكميم الأفواه ومصادرة حرية الرأي والتعبير، حسب بيان صادر عنها.
وأدانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان الإجراء الذي اتخذته هيئة تحرير الشام ضد “أورينت”، وكافة الانتهاكات التي تقع بحق الكوادر والمراكز الإعلامية، في كافة المناطق، مشددة على ضرورة التراجع عن هذا الإجراء القمعي والتعسفي، والسماح بحرية العمل الإعلامي دون أية رقابة أو وصاية أو تهديد، وإبطال جميع “القرارات الأمنية” التي تقمع حرية الرأي والتعبير، والتعهد بحماية الصحفيين السوريين والأجانب وتقديم مختلف أشكال الدعم والمساعدة.
كما أعرب عدد من الناشطين في الشأن السوري عن تضامنهم مع قناة “أورينت”، في وجه الإجراء المتخذ بحقهم من قبل الهيئة.
https://twitter.com/MNoaymi/status/1576602150431752193
وتعقيباً على هذا الإجراء، قال “يحيى الحاج نعسان” مدير موقع “أورينت نت” الإخباري لمنصة SY24، إنه “حتى الآن لم يصدر بيان رسمي من الهيئة بمنع المراسلين، والقرار تم تبليغه بشكل شفهي فقط”.
وأضاف أن “الهيئة ادّعت قبل أسبوع أننا نشرنا خبر كاذب بمحاصرتهم لأبراج راديو الأورينت في الداخل وطلبوا أن نحذف هذا الخبر لأنه كاذب، علما أن المسؤول عن الأبراج في الداخل السوري أخبرنا أنه تم منعهم من صيانة الأبراج وطلبوا (ورقة موافقة) وعند إحضار الموافقة أتت أوامر معاكسة بمنعهم وأنه لن يسمح لهم بالدخول قبل أن يتم حذف الخبر (عن محاصرتهم للأبراج)، ولكن الفريق أخبرهم بأنه لا يمكن حذف الخبر (لأن ذلك يشكك بمصداقية أورينت) بل في حال السماح لنا بالدخول يمكن القول عندها بأنه تم حل الإشكال والسماح بدخولنا لصيانة الأبراج”.
وزاد بالقول إن هذا الأمر لم يرق للهيئة التي وجدت في هذه المشكلة حجة لاتخاذ هذا الإجراء بحق “أورينت”، حسب تعبيره.
واعتبر “الحاج نعسان” أنه هذا الإجراء، يدل على أن الهيئة “لا تريد سماع أي صوت ينتقدهم أو يخالفهم بالرأي أو يسلط الضوء على معاناة الناس التي تعيش في مناطقهم، خاصة وأن أورينت لها مصداقية عالية ومتابعة كبيرة بين السكان ودائما متواجدة بين الأهالي من خلال الناشطين والمراسلين التابعين والمتعاونين لها، ونحن سباقون لأي قضية سورية داخل سوريا أو خارجها”.
ووصف “الحاج نعسان” القرار بـ “الغبي”، موضحاً أنه “اليوم وفي عصر السوشيال ميديا لا يمكنك منع أي أحد من التغطية، وبالتالي النصرة أدانت نفسها بمنع فريق أورينت من العمل”.
وأكد “الحاج نعسان” أنهم مستمرون بعملهم رغم كل شيء، هذا القرار يضر بالهيئة أكثر من الأورينت لأنه يؤكد ما يريدون الهروب منه وهو صفة الإرهاب والميليشيات، وأنهم سلطة استبدادية لا تختلف عن حكومة ميليشيا أسد التي لا تستطيع سماع إلا صوتها ولا تعرف من الإعلام إلا التطبيل، إضافة إلى أنه ليس من حقهم تقييم المهنية، فالإعلام في هذا العصر لا علاقة له بالسلطة، ولا يمكن لأي جهة عسكرية أن تتحدث عن المهنية في الإعلام”.
وحول هذا الإجراء، رأى ناشط سياسي من أبناء الشمال السوري في حديثه لمنصة SY24 (فضّل عدم ذكر اسمه) أن “حرية الإعلام يجب أن تراعى من الجهات الحاكمة في محافظة إدلب، وكان من المفترض أن يكون هنالك آلية للتواصل مع الجهة الإعلامية التي يوصفونها بغير مرغوب بها للعمل في مناطق نفوذ مديرية الإعلام التابعة لحكومة الإنقاذ السورية والتي بدورها تتبع إلى هيئة تحرير الشام الحاكم العسكري للمحافظة بشكل كامل”.
وأضاف “أمّا عن آلية التبليغ بعدم الرغبة بعمل قناة أورينت في إدلب، فأرى أنه كان يجب عبر مخاطبتهم بشكل رسمي من خلال توجيه كتاب يشرحون فيه سبب عدم رغبتهم بالعمل معززا بالحجج التي يرتأونها، بأن فريق القناة قد انتهك للمعايير الصحفية التي من أجلها قامت ثورة الشعب السوري وواجب الإعلام بالأصل يجب أن يكون ضمن مفهوم السلطة الرابعة، ولا يتطلب هذا الحجم من الاستخفاف بوسيلة الإعلام”.
وتابع “وفقا لمتابعتي لما يتم تداوله بأن الآلية المتبعة في إيصال قرار منع المراسلين قد تمت من خلال تبليغ شفهي عبر اجتماع للإعلاميين حضره مراسلي أورينت (محمد الفيصل و جميل الحسن)”.
وزاد بالقول “أرى بأنه من غير المقبول إصرار مديرية الإعلام على قرارها في منع أورينت من مزاولة عملها في إدلب، وأن تكون هنالك آلية لحل مثل تلك المشاكل التي من الممكن أن تحصل مع أي وسيلة إعلام أخرى، وبهذا النهج المعتمد من قبل سلطات الأمر الواقع سيؤدي إلى تقليص عدد وسائل الإعلام العاملة، خاصة وأن طبيعة عمل أورينت كانت سمته متعلق بالشأن الإنساني”.
وحول إمكانية العمل على وقفات احتجاجية أو شعبية رفضا للمارسات التي تنتهجها الهيئة في مناطق سيطرتها، اعتبر مصدرنا أنه “في الغالب سيتم قمعها خاصة وأن الذهنية العسكرية الحاكمة للمنطقة مازالت تعاني من رواسب حقبة سلوكيات تنظيم القاعدة لدى الغالبية العظمى ممن يحملون السلاح، والسبب الرئيسي في ذلك يعود إلى عدم قدرة هيئة تحرير الشام على إنشاء إدارات محلية للتعامل مع المدنيين، إضافة إلى عدم ترابط الجهات الناظمة لحكومة الإنقاذ في التعامل مع مكاتبها، وذلك نظرا لأن المواطن بات يشكو من ممارسات عناصر الهيئة في تعاملهم مع المواطن المدني رغم وجود جهاز أمن للمدنيين، إلا أن عنفوان العناصر المقاتلة حتى اللحظة لم تنضج بعد في قدرتها على التعامل مع المواطنين”.
وختم بالقول “أعتقد بأن السبب الرئيسي في ذلك يعود الى التقصير والقصور في الجهاز القضائي الذي من المفترض أن يكون له دور فعال في تنظيم المسألة، مرورا بمنع أي احتكاك يحصل مع العناصر العسكرية بالمدنيين، وأن ينتهي دور العنصر العسكري بمجرد تحركه بالصفة المدنية خارج نطاق المهام الموكلة له”.
الجدير ذكره، أنه منتصف أيلول/سبتمبر الماضي، أفادت عدة مصادر محلية متطابقة، بانتهاكات وتجاوزات ارتكبها عناصر “هيئة تحرير الشام”، وذلك من خلال الاعتداء على عدد من المدنيين والإعلاميين بالقرب من منطقة “باب الهوى” بريف إدلب.
وذكرت مصادر محلية أخرى، أن عناصر الهيئة اعتدت على وسائل الإعلام والصحافيين والمتظاهرين، معربة في الوقت ذاته عن سخطها من هذه التجاوزات بعبارة أن “هذه الممارسات من الهيئة تأتي بعد عقد من الثورة”.
مصادر محلية أخرى عبّرت عن غضبها من ممارسات عناصر الهيئة مع المدنيين الراغبين بالخروج من مناطق الشمال بالقول، إن “طريقة تعامل عناصر هيئة تحرير الشام مع طالبيّ اللجوء إلى أوروبا في ساحة باب الهوى سبب كافي للسفر وترك هذه المستوطنات”، حسب تعبيرها.
وتوالت ردود الفعل الغاضبة من قبل كثير من الناشطين السوريين، الذين قال بعضهم تعقيبا على ما جرى عند “باب الهوى”، إنه “حتى الآن لم يدرك الكثير من الناس أن ما يسمى المناطق المحررة؛ هي عبارة عن سجن كبير وضع فيه كل من خرج ضد طاغية الشام وممنوع الخروج منه”.