تتسارع التطورات السياسية والعسكرية بعد الضربة الكيماوية على دوما باتجاه تهديدات بعمليات عسكرية تقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفها الغربي ضد النظام السوري وحلفائه الإيرانيين والروس والميليشيات الأخرى، وهذه التهديدات ترافقت بحشود عسكرية لدول عديدة.
ولمناقشة هذه التطورات والموقف الأمريكي الذي انعطف نحو مزيدٍ من الانخراط في الصراع على سورية، نسلّط الضوء على حديث المعارض السوري السيد “ميشيل كيلو”، والذي أدلى به لتجمع العدالة السوري.
الأمريكيون آتون لقلب الأوضاع
يقول السيد ميشيل كيلو: “الإجراء الأمريكي المقبل والذي أطلق عليه البعض تسمية “الضربة” سيكون أكبر من ضربة، وسيكون جهداً واقعياً على الأرض يقلب كل الوضع القائم حالياً في سورية، ويعمل على تصحيح تشوهاته الكبرى التي ترتبت على التدخل الروسي في سورية”.
وأضاف: “الروس تدخلوا في سورية ولم يكن للأمريكيين سياسات ثابتة في دعم الثورة السورية، وبالتالي تصوّرَ الروسُ أنهم قادرون على فرض ما يريدونه، حيث عملوا على ضرب الثورة وضرب قواها، وأمدّوا النظام بالقوة لينقذوه، وعزّزوا وجود إيران في سورية، وأرادوا فرض حلهم المنفرد على السوريين والذي يناقض القرارات الدولية”.
ويتابع السيد ميشيل كيلو حديثه: “الروس ضد وجود مرحلة انتقال سياسي في سورية وضد أي انتقال ديمقراطي، فهم لا يريدون بناء نظام بديل عن نظام الأسد، وإنما احتواء المعارضة في هذا النظام، وقد خدموا رؤيتهم هذه عبر مؤتمر آستانة واتفاقات خفض التصعيد، وبنوا تحالفاً مع إيران وتركيا في سورية، الغاية منه هو الاستقواء بقوة هاتين الدولتين ليقولوا للأمريكيين نحن من نعطيكم الحصة في سورية ونحن من يقررها”.
وأشار السيد كيلو: “لقد استفزت الخطوات الروسية السابقة الولايات المتحدة الأمريكية، وتحديداً بعد أن نفّذ الروس الخطة الأمريكية المتفق عليها منذ أكثر من سنة بطريقةٍ تخدمهم ولا تتفق مع جوهر الخطة التي تؤدي إلى استقرار المناطق وإعادة ترتيب أوضاعها بما فيها حل مشاكل المهاجرين ريثما يتمّ الحل السياسي الشامل”.
الأمريكيون يريدون وضع حدٍ للمسار الروسي
وحول غايات الإجراءات الأمريكية القادمة في سورية يقول السيد ميشيل كيلو: “ما سيجري في الأيام القادمة هو وضع حدٍ للمسار الروسي أكثر من قصة ضرب الأسد، فما دامت روسيا غير قادرة على حماية الأسد ولا حماية إيران، وإذا كان هناك دولة كبرى قادرة أن تدخل إلى سورية وتفعل ما تريد والروس غير قادرين على منعها من فعل ذلك، فمن الذي سيقتنع بعد اليوم أن الروس قادرون على فرض حلٍ بسورية”، أو أنها قادرة أن تكون صاحب اليد العليا في هذا البلد”؟
ويتابع السيد كيلو حديثه: “أعتقد أن الضربة ليست موجهة إلى الروس ولكنها موجهة إلى سياستهم، والمقصود منها إشعار موسكو أنها لا تستطيع ولا يمكنها، وليس مسموحاً لها أن تواصل هذا النهج الذي يقوم على مخالفة جميع القرارات الدولية وفرض سياسات الأمر الواقع وبالأخص فرض بشار الأسد وإيران على السوريين”.
وحول هذه النقطة أردف كيلو قائلاً: “حديث الروس عن أن وجودهم ووجود الإيرانيين شرعي يناقض القرار الدولي 262/67 الذي صدر عن الأمم المتحدة عام 2013 والذي يقول إن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة هو الممثل الشرعي للشعب السوري”.
وأضاف السيد كيلو: “إن سياسات روسيا الرعناء ومخالفتها للقانون الدولي واحتقارها لمجلس الأمن الدولي والحياة الدولية واعتماد سياسة القوة هي هدف الإجراء الأمريكي، والذي غايته إحداث انعطاف حقيقي في علاقات القوى بسورية، ومنع هذه السياسات الروسية”.
وأكد السيد كيلو أن: “الحزم الأمريكي سيكون بدايةً لتطور مختلف عن التطورات التي عشناها لمدة سبعة أعوام سابقة، فالأمريكيون قالوا إنهم سيضربون إذا استعمل الأسد السلاح الكيماوي وبالتالي فالضربة ليست مجرد ضربة على هذا الفعل بل هي رد فعل على مجمل التشكيل الاستراتيجي للمواقع وللوضع السوري بقواه وسياساته المختلفة”.
وأوضح قائلاً: “الأمريكيون يريدون انتزاع المبادرة من يد الآخرين وهم يملكون أوراق قوة فلهم في سورية قواعد في الشمال والشرق والجنوب والجنوب الغربي، ولديهم البحر وحليفتهم إسرائيل، وهذا ما لا تملكه روسيا وإيران، الأمريكيون يريدون حلاً سياسياً عن طريق جنيف وليس عن طريق آستانة أو عن طريق روسيا، ونحن ذاهبون إلى هذه الفرصة وينبغي أن نعرف كيف نستثمرها ونتكيف معها”.
رؤية ترامب الجديدة
وتحدث السيد ميشيل كيلو عن سياسة الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغان عام 1980 بالمقارنة مع سياسة دونالد ترامب فقال: “ريغان هو من قال إن هناك توازناً عسكرياً بين أمريكا والروس ولكن ليس هناك توازن في الأمور الاقتصادية والاجتماعية والتقنية والمالية والثقافية وغيرها، ولذلك ينبغي تنشيط عمل تلك العناصر حتى نستطيع كسر التوازن العسكري مع الروس لمصلحة الولايات المتحدة وهذا ما حدث لاحقاً لكن بوتين قال: “سأتخذ القوة العسكرية منهجاً لإعادة إنتاج بقية عناصر التوازن في المجالات الأخرى الاقتصادية والاستراتيجية والسياسية والمالية … الخ”.
وأضاف: “ترامب يريد اليوم أن يأخذ من بوتين هذه الورقة التي يستخدمها الروس لتغيير النظام الدولي من نظامٍ تهيمن عليه الولايات المتحدة إلى نظامٍ متعدد الأقطاب فيه قوى متوازنة بأدوارها وإلى نظام تكون فيه روسيا نداً لبقية الأطراف، وتحديداً للولايات المتحدة الأمريكية باعتبار القوة هي الأداة التي تعيد ترتيب هذه الأوضاع”.
واعتبر السيد كيلو قائلاً: “الأمريكيون سينزعون هذه الورقة من يد الروس من أجل أن تنكفئ روسيا وتقع في مشاكل ليس لها نهاية، هذا يدفع باتجاه استنتاجين: الأول أن روسيا ستخسر كل شيء وسيكون دورها مساوياً لحجمها الاقتصادي، والثاني أن روسيا في حالة بعد الضربة لن تستطيع تقديم أيّ شيء في سورية، ولن تتمكن من إنقاذ النظام ولا من أخذ سورية كقاعدة لترتيب الأوضاع الإقليمية بما يخدمها”.
ونتاجاً لذلك حث كيلو المعارضة السورية والثورة قائلاً: “ينبغي على الثورة أن تفهم أن الانكفاء الروسي قادم ويجب أن يكون للسوريين دوراً في تقرير دور روسيا في سورية وهذا كلام استراتيجي له انعكاسات كثيرة على أرض الواقع”.
سورية إلى أين؟
وتحدث السيد ميشيل كيلو عن مآل الوضع في سورية بعد الإجراء الأمريكي فقال: “إذا حدث تفاهم أمريكي روسي بعد هذه الضربة على تقاسم المصالح بصورة معقولة وكان هناك تفاهم على مغادرة بشار الأسد السلطة في نهاية ولايته الرئاسية عبر سقوطه بانتخابات حرة توافق عليها روسيا، وإذا كان هذا التفاهم يشمل تقليم أظافر إيران في سورية وتحويل دورها من دور أمني عسكري إلى دور اقتصادي عبر علاقات يقرّها القانون الدولي فنحن ذاهبون إلى مرحلة المناطق المنفصلة”.
واختتم كيلو حديثه قائلاً: “سيتم من خلال هذه المرحلة ترتيب الوضع الداخلي في كل منطقة، لذلك علينا أن نعدّ أنفسنا في مناطقنا المحررة لإدارتها بأحسن مما يدير النظام مناطقه، وهذا أمر لم ننجح فيه حتى الآن، يجب أن نتكيف مع الوضع الجديد الذي يعبّر عن انخراط أمريكي متزايد في الشأن السوري وفي الصراع فيها، إن وحدتنا وتفاعلنا وابتعادنا عن السلبيات هو لمصلحتنا فهل نفعل ذلك؟