تتسع نسبة العنوسة بين شريحة الشباب في سوريا بشكل غير مسبوق، ساهمت فيها الحرب كواحدة من أبرز أسباب تزايد الظاهرة في المجتمع، ولم تعد حكراً على النساء، بل شهدت السنوات الأخيرة عزوف فئة كبيرة من الرجال عن الزواج، مفضلين الهجرة والسفر على الارتباط وتأسيس أسرة.
“لا يمكنني فتح بيت.. ” بهذه العبارة رد الشاب “خالد” 35 عام، مهجر من ريف دمشق إلى إدلب، عن سؤالنا بخصوص تأخر سن الزواج لديه، وقال إن “معظم الشباب اليوم من أبناء جيله، ولا سيما المهجّرين، لم يؤسسوا عملاً مستقراً أو دخلاً مادياً ثابت، إضافة إلى ارتفاع المهور، وتكاليف الزواج، تزامناً مع مرور المنطقة بظروف معيشية سيئة للغاية، تجعل مجرد التفكير بتأسيس أسرة وإنجاب أطفال أمرا بالغ الصعوبة”.
حالة البلاد غير المستقرة، جعلت فئة من الشباب يقصون فكرة الزواج، لعدم قدرتهم على تحمل مسؤولية الزوجة والأطفال، على حساب التفكير بالسفر كأحد الخيارات والحلول الموجودة بين أيديهم، كحال الشاب “خالد” الذي أخبرنا أنه سيحاول السفر في أول فرصة تسنح له.
وفي وقت سابق من العام الحالي، ذكرت وزارة الشؤون الاجتماعية في حكومة النظام، في آخر إحصائية لها أن نسبة نسبة العنوسة في سوريا تتصاعد بشكل كبير لتقترب من 70%، وأرجعت ذلك لأسباب تتعلق بالهجرة، والفقر، وارتفاع تكاليف الزواج، في ظل الوضع الاقتصادي المتردي الذي يعيشه الشبان، ما سبب عزوفهم عن الزواج في مختلف المحافظات السورية.
ويختلف سن الزواج باختلاف العادات والتقاليد الاجتماعية للمنطقة، وبشكل عام يتراوح السن المعترف عليه شعبياً للشاب بين 25 وال30 عام، غير أن شبان كثر اليوم تخطوا مرحلة الثلاثينات دون أن ينضموا إلى شريحة المتزوجين.
كما يشكل ارتفاع المهور، حاجزاً أمام العديد من الشباب السوريين المقبلين على الزواج، كنتيجة طبيعية لسوء اﻷﺣﻮال اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ المتردية، وقلة فرص العمل، وانعدام الاستقرار في منزل واحد، بسبب صعوبة الحصول على المسكن والاعتماد على الإيجار.
أنهى الشاب “منهل يوسف” 27 عام، دراسته منذ خمس سنوات، ولم يستطيع الحصول على فرصة عمل مناسبة ودائمة، ما جعل فكرة الارتباط والزواج خارج مخططاته المستقبلية، التي تنحصر حالياً في تأمين الأموال اللازمة للسفر والهجرة، يقول لنا :”من الظلم التفكير بالزواج وربط مصير زوجة وأطفال دون القدرة على تحمل مسؤوليتهم، الزواج اليوم جنون، ومن المستحيل التفكير به قبل السفر وتأمين مستقبلي”.
تسيطر هذه الأفكار حسب من التقيناهم من الشباب على جيل كامل يتخوف من مسؤولية الزواج والتكاليف والاستقرار، في وقت يسمح لعدد منهم إقامة علاقات مؤقتة خارج إطار الزواج، مع عدم تحمل المسؤولية من قبل الطرفين.
الشاب “عبدالله” 37 عام، من دمشق، لم يتمكن من الزواج إلى اليوم، بسبب الغلاء المعيشي، وارتفاع تكاليف المهر والذهب وباقي متطلبات الزواج، يتساءل في حديثه إلينا قائلاً: كيف لعامل مثلي أن يؤمّن كل متطلبات الزواج ويشتري الذهب ويدفع المهر؟ وهو بالكاد يؤمن قوت يومه.
تواجه شريحة كبيرة من الشباب في سوريا حالها كحال الشباب الثلاثة الذين تحدثوا إلينا، صعوبات عدة في الإقبال على الزواج، كما ساهمت الحرب بشكل مباشر في وأد أحلام كثير من الشبان، وإكمال مشاريعهم المستقبلية في الحصول على عمل مستقر والزواج وتأسيس أسرة كما هو الحال الطبيعي، إذ تراجعت بشكل واضح مشاريع الزواج في الداخل السوري وبات السفر والهجرة من أولية للشبان للخلاص من الواقع الذي يعيشونه، ما أدى إلى زيادة نسب العنوسة، ناهيك عن انخفاض عدد الشبان في الحرب بسبب الموت أو الاعتقال أو الاختفاء القسري.