يقولون: لا توجد حرية في سوريا، وإن الأسد يقمع المظاهرات ويعتقل المتظاهرين أو يقتلهم، ولكن كيف تدّعون ذلك ومظاهرات حاشدة خرجت قبل أيام في شارع الثورة وسط العاصمة دمشق، وبحماية من الشبيحة الذين كتنتم تقولون إنهم يقتلون المتظاهرين؟
نعم إنها الحرية في دولة الأسد، والتي يحق لك فيها التعبير وانتقاد أي شخص إلا مقام ثيادة الرئيس، وهو ما فعله ذوي الشبيحة في شارع الثورة قبل أيام، حين خرجوا غاضبين مطالبين بإسقاط وزير “المصالحة” في حكومة النظام علي حيدر، واتهموه بالرشوة والسرقة، لفشله في إنقاذ جنود الأسد المختطفين لدى “جيش الإسلام” في دوما.
ولم يقتصر الأمر على تلك المظاهرة، بل تصاعد الأمر إلى اعتصام في صالة الفيحاء بدمشق، وخرج من بين المعتصمين شخص يشتم الوزير “علي حيدر”، ويصفه بالحيوان والحقير والجبان، وسط تغطية إعلامية من النظام، الذي حاول إظهار مشهد الديمقراطية والحرية في سوريا، دون أن يقيم أي وزن “لمقام الوزير”.
سعى حافظ الأسد منذ وصوله إلى الحكم في السبعينات إلى جعل كل الصلاحيات بيده، وبالتالي بات الوزير “رجل كرسي”، وواجهة شكلية يتولى تنفيذ الأوامر التي يحصل عليها من ضباط الأسد الكبار، فلم يعد يخفى أن كل وزير يقف خلفه ضابط هو من يقوم بتسيير أمور الوزارة، بينما يكون للوزير شرف التوقيع على القرار.
ولكن للأمانة ترك الأسد للوزير بعض الصلاحيات كالتوقيع على أوامر الصرف والإشراف على أمور المديريات التابعة له، وطبعاً يحق له السرقة والرشوة كما يشاء ولكن تحت الطاولة، ورغم ذلك شعر النظام قبل أيام أن “رجل الكرسي” بدأت تتحرك، فسعى إلى تثبيتها.
حيث أقر “مجلس الشعب” مشروع قانون يتيح سحب معظم الصلاحيات من الوزير ومنحها إلى معاونه، وينتظر مشرعو القانون إقراره من الأسد وإصداره في مرسوم جمهوري، ليتحول بذلك الوزير من رجل كرسي إلى ممسحة بيد المعاون وضباط الأسد، أو يمكن القول إن الوزير أصبح حماراً برخصة، أقصد رجل كرسي برخصة وتحت قوة القانون.
وزراء النظام فشلوا في حل حتى أبسط المشاكل، فماذا تنتظر من وزير غير قادر حتى على خفض سعر المتة، وهو ما كان حال وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك عبد الله الغربي، حين لم يجرؤ على منع تاجر المتة الأول في سوريا “كبور” من عدم احتكار المتة وتوزيعها في الأسواق، رغم الاحتقان الشعبي الكبير الذي حصل خلال أزمة المتة قبل أشهر.
كما لم يعد وزراء الأسد يتجرؤون حتى على إقالة مدرائهم التابعين لهم، خشية أن يكون مصيرهم كمصير وزير الإعلام السابق رامز ترجمان، والذي عُزل من منصبه بعدما تجرأ وأقال مدير التلفزيون عماد سارة المرتبط بالقصر الجمهوري، ليتم إلغاء القرار بعد نصف ساعة من إصداره.
ولم يقتصر الأمر على ذلك فمدير التلفزيون بعد فترة، قام بالإطاحة بالوزير وجلس مكانه، ومنذ ذلك الوقت أصبح الوزراء يعيشون في كابوس، وهمهم الوحيد أن يبقوا رجل كرسي، دون الاكتراث بفساد مدرائهم أو متابعة شؤون المواطنين، ولسان حالهم يقول: “فخار يكسّر بعضوا المهم نضل بالكرسي”.
بعد أن شعر الوزراء أنهم ممسحة ورجل كرسي وليس لهم أي عمل فعلي، وجدوا عملاً أخرى يشغلونه، وهو التهريج وإضحاك المواطنين وإخراجهم من هموهم في ظل “الأزمة” التي عصفت بهم، وكان وزير الكهرباء السابق عماد خميس، قد دخل كتاب “غينيس” للأرقام القياسية كأكثر وزير تعرض للسخرية.
ولعل أبرز تصريحات خميس حين قال: “منذ اليوم الأول للتقنين، والكهرباء تقطع في منزلي ومنازل زملائي”، وأثارت هذه الكلمات سخرية جميع من سمعها، فأطلق بعض الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي حملات لجمع التبرعات، ليشتروا مولدة كهرباء أو بطارية وليدات لمنزل السيد الوزير وزملائه.
وزير الكهرباء الحالي، محمد زهير الخربطلي، حاول تقمص دور سلفه “خميس”، فأبدع بدور المهرج حين قال: “الكهرباء للإنارة وليست للتدفئة”، محملاً بذلك الشعب السوري المسؤولية بأزمة الكهرباء التي تعاني منها سوريا لسبع سنوات، وأثارت هذه الكلمات سخرية المواطنين، وسرعان ما تحولت العبارة لنكتة يستخدمها السوريون في منشوراتهم، شاكرين الوزير على هذا الاكتشاف العظيم.
كما كان وزير المالية مأمون حمدان بارعاً في دور المهرج فكان له تصريحين هامين، الأول حين قال: إنه “يجوع لأنه لا يجد وقتاً للأكل في ظل انشغاله بقضايا المواطنين الذين يرى البسمة على وجوههم”.
أما التصريح الثاني قال فيه: “الحكومة تدفع مع كل مطلع شمس 3 مليارات ليرة لدعم المواطن”، وأدى هذا التصريح لتأخر العديد من المواطنين بالاستيقاظ، لشعورهم بنخزة ضمير، في حال صادف استيقاظهم مع دفع الحكومة لهذا المبلغ.
وزير الإعلام رامز ترجمان، سعى لممارسة مهن أخرى منها الشحادة حيث قال: إن “الوزارة ليس لديها إمكانية لتأمين لباس المذيعات ولذلك فإنها تلجأ إلى الرعاة”، واصفاً الأمر بأنه “مثل الشحادة”.
وبلغت تصريحات الوزراء أعلى درجات السخرية والانفصام عن الواقع، حين قال وزير النقل في حكومة الأسد قبل أيام: إن “شوارع سوريا أفضل من شوارع سويسرا”، وجعل ذلك التصريح السوريين يشفقون على الوزراء، الذين جعلهم الأسد بلا عقل، أو عمل بعد أن جرّدهم من صلاحياتهم، وبات عملهم الوحيد “التطبيل والتزمير على وسائل الاعلام وإضحاك السوريين!