ارتفاع غير مسبوق في معدلات سوء التغذية عند الأطفال في مختلف المحافظات السورية، ماينذر بكارثة على مستوى الصحة، بسبب نقص عناصر غذائية أساسية لنمو الأطفال، إضافة إلى وجود حالات فقر دم، وسوء تغذية للأمهات الحوامل والمرضعات، بسبب الظروف المعيشية والاقتصادية السيئة التي يعيشها معظم المواطنين.
اكتشفت “هناء” أم لثلاثة أطفال تقيم في حي برزة بدمشق، الحالة المرضية السيئة التي وصلت إليها ابنتها التي لم تبلغ العامين بعد، بسبب اقتصار غذائها على صنف واحد غير كافي، مع عدم شرب كميات مناسبة من الحليب بعد فطامها، واعتمادها على بدائل من الأكلات المنزلية كوجبة نشاء مغلي أو شاي وخبز، وذلك لمراعاة ظروفها المعيشية، ماسبب لها سوء تغذية حاد حسب قولها.
وكانت وسائل إعلام النظام قد تحدثت أمس، عن حدوث أزمة سوء تغذية مزمنة في السنوات الثلاثة الأخيرة، أدت إلى إصابة عدد كبير من الأطفال بنقص الوزن توازياً مع عمرهم، وكذلك افتقار الغذاء للعناصر والمغذيات الأساسية، كـ “الحديد والكلس والفيتامينات، وكافة العناصر الغذائية الأساسية الأخرى، التي يجب توافرها في الوجبات الغذائية المقدمة للطفل.
سوء الوضع المعيشي والفقر وارتفاع الأسعار، جعل كثير من العائلات تعجز عن تأمين المواد الغذائية الأساسية لأطفالها، كالحليب ومشتقاته، والبيض والخضار والفواكه، واللحوم الحمراء، واقتصار وجباتهم الغذائية على البقوليات والحبوب أو ما توفره سلة الإغاثة في حال وجدت، كما حدث مع “هناء” وطفلتها.
تضيف في حديثها إلينا أنه لم يعد لديها الحليب الكافي لإرضاعها وإشباعها كما يجب، بسبب قلة غذائها الصحي، ما زاد في نحوله جسدها، و إصابتها بفقر دم شديد، تقول “اضطريت بسبب مرضي إلى فطام ابنتي قبل أوانها، دون القدرة على تعويض ذلك بحليب صناعي بسبب غلاء ثمنه وعدم قدرتي على تأمينه بشكل دائم”.
“هناء” واحدة من نساء كثر، يواجهن ظروفهن المعيشية السيئة بحلول غير مجدية، فلم ينفع النشاء والطحين والوجبات اليومية التي تطبخها لعائلتها في تعويض الحليب لطفلتها الرضيعة، ما سبب لها سوء تغذية حاد كما يحدث مع آلاف الأطفال.
لايختلف الأمر كثيراً في مناطق الشمال السوري، بل لوحظ مؤخراً ارتفاعاً كبيراً في حالات سوء التغذية وخاصة للأطفال، حسب ما أفادت به “سناء محمد” إخصائية تغذية لمنصة SY24.
إذ تستقبل المراكز الصحية المنتشرة في المنطقة، عدداً كبيراً من حالات سوء التغذية بشكل يومي، غالبيتهم من الأطفال، قسم كبير منهم يقيم في المخيمات، يعيشون ظروفاً اقتصادية صعبة، في ظل الغلاء الفاحش وتدني مستوى الدخل.
يقسم مرض سوء التغذية إلى مرحلتين، سوء تغذية حاد شديد لونه أحمر على شريط “المواك” وهو مقياس خاص لمعرفة درجة المرض بثلاث ألوان حاد ومتوسط وطبيعي، المرحلة الثانية سوء تغذية حاد متوسط، بلونه أصفر على الشريط والأخضر هو المرحلة الطبيعية.
وبينت إخصائية التغذية، أن حالات سوء التغذية تحدث عندما لا يحصل الجسم على المواد الغذائية الأساسية التي يحتاجها، كالفيتامينات والبروتينات والمعادن الضرورية لنمو الجسم، وقد يكون بسبب سوء امتصاص المواد الغذائية رغم توفرها، ويعود ذلك لأسباب اجتماعية كالفقر والنزوح، وأسباب مرضية قد تصيب الجهاز الهضمي، والتهاب الأمعاء، وتؤدي إلى فقدان الشهية وعدم تقبل الجسم الحصص الغذائية اللازمة له.
وأضافت في حديثها إلينا، أن حالات سوء التغذية تزداد بشكل عام، بس الغلاء والفقر وعدم الوعي لدى الأهالي لأهمية التنوع الغذائي، والحل حسب رأيها التوجه لمسح عام لكافة الاطفال، وخاصة أطفال المخيمات وأخذ التدابير وإدراج الأطفال ضمن برنامج “cmam” أي كل طفل يتم تقديم العلاج له حسب حالته.
إذ تقدم المراكز الصحية الموجودة في المنطقة، علاجاً مناسباً لكل مرحلة عن طريق تزويد الأم والطفل بالمكملات الغذائية المناسبة بشكل دوري إلى أن يصل لمرحلة التحسن ولكن هذا غير كاف بسبب الكثافة السكانية، وقلة عدد المراكز الصحية.
يذكر أنه في وقت سابق من العام الحالي، حذرت منظمة الصحة العالمية، من أن 700 ألف طفل يواجهون الجوع في سوريا، لا سيما في شمال شرق البلاد، بسبب التدهور المستمر للاقتصاد، ويوضح التقرير أنه في الأشهر الستة الماضية، “ارتفع العدد الإجمالي للأطفال الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي في جميع أنحاء البلاد إلى أكثر من 4.6 مليون شخص”.
فبعد أكثر من 10 سنوات من الصراع والنزوح، يعاني الآن عدد غير مسبوق من الأطفال في سوريا من ارتفاع معدلات سوء التغذية، حسب التقرير.