بعد سيطرة قوات النظام على محافظة درعا، ركزت روسيا على توحيد جهود كل من الفصائل المعارضة التي بقيت في الجنوب والأفرع الأمنية تحت عنوان “لستم أعداء وإنما عدوكم مشترك”، مشيرة إلى تنظيم “داعش” الإرهابي التي حاربته الفصائل طوال سنوات مرت على ظهور هذا التنظيم، الذي برز كخنجر مسموم في خاصرة الثورة والفصائل ولم يتمكنوا من حسم المعركة معه.
بدأت معالم هذه الخطوة التي سعت لها روسيا منذ عملية التسوية حيث طالبت الفصائل بتسليم السلاح الثقيل الموجود لديها باستثناء السلاح الموجود على خطوط الجبهة في مواجهة تنظيم داعش في حوض اليرموك، ومن ثم دعوة الفصائل للمشاركة في الحرب إلى جانب القوات الحكومية التي تمثلت في الفرقة الرابعة آنذاك والمخابرات الجوية، واستطاع الاثنان معاً (الفصائل وقوات النظام) إنهاء حرب قادتها الفصائل من مختلف مناطق محافظة درعا لسنوات ضد تنظيم داعش بعد مؤازرة الطيران المروحي والمدفعيات الثقيلة وأنهوا وجود التنظيم ككيان عسكري غرب درعا بشكل نهائي واعتقال مئات المنتمين لداعش وتسليمهم للأفرع الأمنية.
لم تنتهي خطة دمج الجهود التي سعت لها روسيا في حوض اليرموك وإنما تابع الروس تجنيد الشباب ضمن صفوف الجيش السوري تحت عدة مسميات سواء أكانت الفرقة الرابعة أو الفيلق الخامس الروسي الذراع العسكري لروسيا على الأرض فالجو يغطيه الروس والأرض يغطيها السوريين لصالح روسيا، لتشارك المجموعات المنتمية ضد تنظيم داعش في البادية السورية في منطقة “تلول الصفا” عبر حرب استمرت لعدة أشهر انتهت بالسيطرة على المنطقة، حيث استغلت بها روسيا والنظام شدة بأس المقاتلين الذي لطالما أنهكوا النظام وكبدته خسائر فادحة من جهة لصالحهم ضد تنظيم داعش، وفي ذات التوقيت استغلوا أن عناصر الفصائل هم من أبناء المنطقة ولديهم خبرة واسعة في العمل تحت كل الظروف.
بعد نجاح التجربة ضد تنظيم داعش وإيهام الروس للفصائل بأن حربهم ستكون ضد التنظيمات المتطرفة فقط، وأن هذه العمليات هي مهمة الفصائل وبذلك لمست الفصائل صدق الوعود الروسية بشأن مصير فصائلهم، ولكن في نفس التوقيت تم طلب الفصائل للقتال في الشمال السوري الأمر الذي وافقت عليه بعض الفصائل باعتبار أنه سيتم محاربة داعش في الأراضي السورية، ورفضته بعض الفصائل بحجة أن الاتفاق هو حرب الإرهاب فقط في الجنوب والخدمة العسكرية لأبناء الجنوب تبدأ في الجنوب فقط، بذلك حدث شرخ بين الفصائل فباتت تعمل كقسمين قسم تحت القيادة الروسية بشكل مباشر (الفيلق الخامس) وقسم متعاون مع الأفرع الأمنية و (الفرقة الرابعة) ممثلة بمكتب أمنها الذي جرت تسوية أوضاع المقاتلين عبره.
مرت فترة الجنوب بفترة استقرار امتدت بضع أشهر اختفت فيه أي أعمال لداعش، ومن ثم بدأ التنظيم بالعمل من جديد وكبد قوات النظام والفصائل خسائر فادحة عبر عمليات التفجير والتفجير التي استهدفت قادة وعناصر في قوات النظام وقادة وعناصر من الفصائل المعارضة سابقاً، ما دعى الأفرع الأمنية المشرفة على درعا باستدعاء المقاتلين من أهالي المناطق التي يسيطرون عليها لمساعدتهم في كشف الخلايا وإلقاء القبض على عناصر تنظيم داعش، وأبرز الملفات الأمنية كانت تديرها الأفرع مع قادة “جيش المعتز” سابقاً في غرب درعا، ومع قادة “جيش الثورة” سابقاً في القطاع الأوسط ومع قادة “شباب السنة” سابقاً في المنطقة الشرقية، حيث حصلت عدة عمليات أمنية في جميع مناطق درعا تم بموجبها قتل واعتقال عشرات العناصر من تنظيم داعش على غرار العمليات التي حصلت في منطقة النخلة بين درعا وبلدة نصيب وعدة عمليات في مناطق حوض اليرموك وعملية في منطقة مليحة العطش التي أشرف عليها المسؤولون من الفصائل إلى جانب دعم قوات النظام لهم، الأمر الذي برز فيه فرع الأمن العسكري الذي يترأسه العميد “لؤي العلي”.
أما في الوقت الراهن يجري التحضير لعمل عسكري في منطقة النخلة ومحيط الشياح وغرب نصيب لإلقاء القبض على خلايا لداعش يعتقد بأنها هناك تتخفى في المغر والمزارع وما إلى ذلك، حيث يشرف على العملية الأمن العسكري وفريق أمني من فرع أمن الدولة وعناصر متطوعين في الأمن العسكري من أهالي المنطقة.
بذلك استطاعت روسيا خلق أجواء من الثقة والتعاون بين الفصائل والنظام والأفرع الأمنية وأعطت النظام الكثير من التطمينات تجاه الفصائل والوثوق بهم وأنهم انتقلوا لمرحلة العمل مع بعض ليس ضد بعض، وعلى الجانب الآخر حرضت الفصائل على العمل ضد أي وجود لإيران أو حزب الله التي مثلت عقدة للفصائل باعتبار قوات إيران هي قوات محتلة، وأن هنالك اتفاق دولي على عدم وجودهم في الجنوب وأعطت الضوء الأخضر للفصائل من تحت الطاولة لتنفيذ عمليات اغتيال بحق متورطين مع إيران وحزب الله، وبالفعل تم تنفيذ العديد من العمليات أغلبها غرب وشمال وشمال غرب محافظة درعا.
فباتت المعادلة التي خلقتها روسيا اليوم كالتالي عدوكم وعدو النظام هو داعش، وعدونا وعدوكم هو داعش وحزب الله وإيران، وفي أوقات لاحقة ستكونون أنتم أيها الفصائل جزءً لا يتجزأ من النظام تحت القيادة السورية.
كل ما سبق يطرح عدة أسئلة، أبرزها هل نجحت روسيا في مخططاتها؟ وهل ستكون المرحلة المقبلة لتجنيد الفصائل من أجل قتال ما تبقى من الفصائل في الشمال السوري؟ أم ستكون الفصائل على قدر عال من المسؤولية وتتنبه للمخطط الخبيث الذي يقوده الروس ويساهم به النظام؟.